«تمكين الأسر الأولى بالرعاية» الشعار الذى رفعته الحكومة فى أثناء ترويجها لبرنامجها الجديد الذى تتبناه حاليا، وتحاول من خلاله إيجاد استهداف أفضل للأسر المحتاجة، من خلال بناء قاعدة بيانات جديدة للفقر، تقوم على أساس استهداف جغرافى للقرى الأكثر فقرا. ومن المقرر الانتهاء من هذه القاعدة خلال العام المقبل، على أن تبدأ عملية استهداف الأسر، وتقديم الدعم لها فى 2011، وفقا لما كشفته ابتسام الجعفراوى، المنسق العام فى البرنامج والمشرفة على العمليات الإحصائية، ل«الشروق». ويركز البرنامج بصفة أساسية على أفقر ألف قرية فى مصر، البالغ عدد سكانها 10.6 مليون نسمة، وقد قدرت الحكومة عدد الفقراء المستهدفين بتلك القرى بنحو 4.9 مليون فقير، ما يقرب من 42% من إجمالى فقراء الجمهورية، هذا بالإضافة إلى المناطق العشوائية. «تطوير منظومة الخدمات الاجتماعية والدعم وآليات الأمان الاجتماعى، للحد من تسرب الدعم لغير مستحقيه، وتحقيق العدالة الاجتماعية، الأهداف الرئيسية التى دفعت الحزب إلى تبنى هذه المبادرة الوطنية الطموحة»، على حد قول جمال مبارك، خلال إعلانه عن هذا البرنامج فى مؤتمر الحزب الوطنى الخامس فى العام الماضى. وتبعا للبرنامج الجديد، سيتم تقسيم السكان إلى 4 شرائح، شديدة الفقر، فقيرة، قريبة من الفقر، وغير فقيرة، على أن تقدم برامج دعم مختلفة لكل أسرة بحسب درجة احتياجها، كما قالت الجعفراوى، مضيفة أنه قد تم الانتهاء من جمع البيانات الخاصة بثلثى الأسر الموجودة فى «الألف قرية». وأشارت منسقة البرنامج إلى أن هناك توجها جديدا للحكومة فى الفترة المقبلة، يتمثل فى استهداف الأسر، بدلا من منهج استهداف الفئات الضعيفة، الذى تعتمد عليه وزارة التضامن الاجتماعى حاليا، وفقا لها. ومن وجهة نظرها «فهذا التوجه الجديد يصل للمحتاجين بصورة أفضل، لأن الفئات الضعيفة تمثل نسبة بسيطة من الأسر المحتاجة، كما أنه من الممكن أن يكون رب الأسرة ليس من هذه الفئات، لكن دخله لا يكفى لسد احتياجات أسرته»، على حد تبريرها. وهو نفس منطق أمين لجنة السياسات بالوطنى، الذى يرى أن «التوجه إلى المناطق والأسر الأكثر احتياجا، يضمن عدالة الاستهداف، وإحداث نقلة نوعية فى مستوى معيشة أفراد تلك الأسر»، بحسب التعبير الوارد فى ورقة مؤتمر الحزب السابق، والتى جاءت بعنوان «التنمية الاجتماعية ومكافحة الفقر». إلا أن الخبراء كان لديهم وجهة نظر مختلفة، مثل جودة عبدالخالق، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، الذى قال: «إن مشكلة الدعم فى مصر ليست مشكلة بيانات، إنما سياسات»، فهو يرى أن «الحكومة تتبع سياسات إفقار، وبعدها تحاول مكافحة الفقر، وتقديم دعم للمواطنين». والمقصود بسياسات الإفقار، تبعا لعبدالخالق، الإجراءات التى تتخذها الحكومة، ويكون من شأنها زيادة الأعباء المالية على مواطنيها، مثل فرض ضرائب على الاستهلاك (ضريبة المبيعات)، وضريبة الدمغة، فى الوقت الذى تقوم فيه بخفض سعر الضريبة على الأرباح التجارية، وتوحيدها عند معدل ال20%، بعد أن كانت تصاعدية. كما أشار عبدالخالق إلى قرار الحكومة بإضافة مصروفات القمامة على فاتورة الكهرباء، ثم يعود ويدفع المواطن نفقات إضافية إلى جامع القمامة، وأخيرا استمرار ارتفاع الأسعار مع ثبات الأجور. وعليه، «إذا استمرت الحكومة فى انتهاج هذه السياسات التى من شأنها استنزاف الشعب إلى آخر قطرة، فإن الدعم يجب أن يُقدم للمواطنين إلى الأبد»، على حد تعبير عبدالخالق، متسائلا: «ما الجدوى من إتباع سياسات للفقر، ثم تقديم دعم لمساعدة الفقراء بعد ذلك؟!»، مضيفا أن «الحديث عن بيانات الفقر أو مصاريف الدعم أو وصول الدعم لمستحقيه، خارج جوهر القضية». من ناحية أخرى، فإن «مسألة جمع البيانات فى البرنامج الجديد محل شك كبير»، من وجهة نظر عبدالخالق، مشيرا إلى صعوبة الوصول إلى العديد من المناطق العشوائية فى مصر، بالإضافة إلى وجود نسبية كبيرة من الفقراء لا يمكن الوصول إليهم، لأن ليس لهم عنوان مستقر، فقد يكون مأواهم تحت الكوبرى أو فى الشوارع، وتلك النسبة تكون عادة أكثر احتياجا للدعم من تلك التى تعيش فى منازل، ويتمكن الباحثون من الوصول إليهم. وبالتالى فإن «تجميع قاعدة بيانات، لا يعنى بالضرورة وصول الدعم إلى أكثر الفئات احتياجا له»، على حد تعبير أستاذ الاقتصاد. وتوافقه الرأى هانية شلقامى، الخبيرة فى برنامج الدعم النقدى المشروط، التى ترى أن «مسألة قاعدة البيانات جزء بسيط، وعنصر واحد من منظومة أكبر بكثير، ومن ثم لا يمكنها إحراز تقدم بمفردها»، مشيرة إلى أن المشكلة الرئيسية فى مصر هى «عدم وصول الدعم لمستحقيه»، وبالتالى «إذا تم حل عنصر المستحقين إلى حد ما عن طريق قاعدة البيانات، يبقى العنصران الأخيران، والمتمثلان فى برامج الدعم نفسها وكيفية وصولها إلى الأسر المحتاجة». وتنتقد هبة الليثى، رئيس قسم الإحصاء فى جامعة القاهرة، برنامج الأسر الأولى بالرعاية موضحة أن «جمع البيانات عن الفقر بدأ منذ ثلاثة سنوات، بينما سوف يبدأ تطبيق البرنامج فى 2011، وخلال هذه المدة قد تكون ظروف بعض الأسر تغيرت، فقد تنجح بعضها فى الخروج من الفقر، وفى المقابل تتغير ظروف أسر أخرى لتدخل فى دائرة الفقر»، على حد تعبير الليثى. وتقترح الليثى طريقة بديلة للوصول لمستحقى الدعم، وذلك من خلال تحديد خصائص للأسرة الأولى بالرعاية، والإعلان عن هذه الخصائص، والأسرة التى تستوفى الشروط يمكنها التقدم لطلب الالتحاق بالبرنامج، وبعدها يتم التأكد من مطابقة بيانات الأسرة للواقع، ومن الممكن فرض غرامة على الأسر التى تغش فى بياناتها. أما الطريقة المتبعة حاليا فى البرنامج فبها «إهدار للوقت والتكاليف»، على حد تعبيرها، متوقعة «وصول الدعم إلى أسر قد تكون فى لحظة التطبيق غير محتاجة إليه». وتتحفظ الشلقامى على فكرة وضع خصائص محددة يتم على أساسها تحديد الأسر الأولى بالرعاية، «يجب التمييز بين أشكال الاحتياج فى مختلف المحافظات، فلكل منطقة خصائص مختلفة». فلا يمكن، على سبيل المثال، الحكم بأن الأسرة التى تعيش فى حجرة واحدة شديدة الفقر، لأن فى محافظة مثل أسيوط هذه الحجرة قد تكون كبيرة جدا، ويكون هذا هو الوضع السائد فيها، بعكس الوضع فى محافظة أخرى مثل الشرقية، تبعا للخبيرة، مضيفة أن احتياجات الأفراد تتغير من فترة لأخرى.