عبد الحليم محمود.. إمام التصوف العقلاني (بروفايل)

سيظل الأزهر حصن وسطية الإسلام، بعقول وقلوب شيوخ وقفوا فى وجه صور التشدد والشطط التى تشوه الدين الحنيف، من أبرزهم شيخه الراحل الدكتور عبدالحليم محمود، وإمامه الأكبر.
عُرف العالم الجليل بأنه صاحب رؤية إسلامية ثاقبة، ومواقف جمعت بين لين التصوف وعقلانية الفلسفة الإسلامية والصلابة، حين يحتاج الدين لمن يحمى تراثه. فلم تمنعه صداقته مع الرئيس الراحل أنور السادات من الوقوف ضد قرار أصدره فى يوليو 1974، اعتبره شيخ الأزهر يخصم من صلاحيات الإمام الأكبر لصالح وزير الأوقاف، فأعلن استقالته من منصبه «غيرةً على الأزهر وعلى جلال لقب الإمام الأكبر». أسقط فى يد السادات، الذى اضطر للتراجع أمام صلابة موقف الدكتور عبدالحليم محمود، ويرد للإمام الأكبر صلاحياته التاريخية.
ولد شيخنا فى قرية أبوأحمد، ضواحى بلبيس شرقية، فى 12 مايو 1910، ونشأ فى أسرة كريمة مشهورة بالصلاح والتقوى. التحق بالأزهر، وحصل على الشهادة العالمية سنة 1932، ثم سافر على نفقته الخاصة لاستكمال تعليمه العالى فى باريس، ليحصل على الدكتوراة فى سنة1940. وحين عاد للقاهرة، عمل أستاذا بجامعة الأزهر، وبعد سنوات أُختير لتولى أمانة مجمع البحوث الإسلامية، ثم وزارة الأوقاف، وأخيرا شيخًا للأزهر فى 27 مارس 1973.
وللشيخ موقف أحدث نتفق أو نختلف معه لكنه يعبر بشكل ما عن غيرته على جامعه الشريف، إذ نشب خلاف بين المشيخة والمحكمة العسكرية التى نظرت قضية «التكفير والهجرة» الشهيرة، فحين استطلعت المحكمة رأى عدد من علماء الأزهر، كخبراء فى القضية، تأخروا فى تقديم مذكرتهم، فقرت الحكم دون انتظارها، وضمنت حيثياتها هجوما حادا عليهم، قائلة «أسفا على إسلام ينزوى فيه رجال الدين فى كل ركن، هاربين متهربين من أداء رسالتهم، أو الإفصاح عن رأيهم، أو إبداء حكم الدين فيما يعرض عليهم من أمور، فلا هم أدوا رسالتهم وأعلنوا كلمة الحق، ولا هم تركوا أماكنهم لمن يقدر على أداء الرسالة».
غير أن أبرز ما فى تراث الراحل، ميله إلى التصوف العقلانى، فى فهمه للدين الحنيف، مستشهدا ب«الحارث بن أسد المحاسبى»، فى رسالته عن التصوف، منتهيا إلى أن «مذهب الاتباع»، وهو ما أصّله أكثر فى كتابه «التوحيد الخالص.. الإسلام والعقل»، والذى يقول عنه «ما فرحت بكتاب من كتبى، مثلما فرحت يوم ظهر هذا الكتاب، لأنه خلاصة تجربة حياتى الفكرية».