مفاجآت مركبة شهدتها الساحة اللبنانية، أمس الأول الثلاثاء، لم يكن يتوقعها جميع الأطراف، قد تؤدى لتغيير قواعد اللعبة داخليا وخارجيا، حيث قام الجيش الإسرائيلى بانتهاك السيادة اللبنانية من خلال تجاوز دورية إسرائيلية لحدودها فى قرية العديسة بحجة قص أشجار تعوق عمل كاميرات مراقبة على الجانب الإسرائيلى بعد رفض الجيش اللبنانى طلباً إسرائيلياً تكرر مرتين للقوات الدولية اليونيفيل. إلا أن الجيش اللبنانى حذر الدورية الإسرائيلية وطلب انسحابها فورا عن طريق القوات الدولية فأبت، وحينها قام برد عنيف مفاجئ حين أطلق عليها وابلا من الرصاص لتنتهى المواجهات بمقتل جنديين من الجيش اللبنانى و«عساف أبورحال» الصحفى فى جريدة الأخبار اللبنانية مقابل مقتل قائد كتيبة مدرعة إسرائيلية برتبة مقدم وضابط آخر. وهو ما أحدث حالة متناقضة على الجانبين، ففى الجانب اللبنانى انتشرت حالة من السعادة بين الشعب اللبنانى فى أول مواجهة حقيقية بين الجانب الإسرائيلى والجيش اللبنانى الذى يؤكد بذلك رفضه لأن يكون حارسا لإسرائيل. بالمقابل انتشرت على الجانب الإسرائيلى حالة من الصدمة والعصبية من رد فعل الجيش اللبنانى لدرجة وصف قائد المنطقة الشمالية الإسرائيلية «جاى أزكينوت» الجيش اللبنانى بالوقاحة. لكن الجيش اللبنانى لم يكتف بذلك، حيث تم عقد اجتماع عاجل لمجلس الدفاع الأعلى وخرج ببيان غير مسبوق بتأكيده على الإصرار على الدفاع عن السيادة اللبنانية «مهما كانت التضحيات»، وهى تقريبا نفس لهجة المقاومة اللبنانية، مما أشعر الجيش الإسرائيلى بالهزيمة لدرجة إعلانه بعد أقل من 24 ساعة على المواجهات إصراره على العودة لتركيب كاميرات المراقبة، مما أحدث حالة ترقب واسعة بين جميع المؤسسات والتيارات اللبنانية وعلى رأسها الجيش وحزب الله. هذا بينما قام الرئيس السورى بشار الأسد بالاتصال بالرئيس اللبنانى ميشيل سليمان لتأكيد دعمه للبنان فى وجه «العدو الإسرائيلى»، مما اعتبره المراقبون عودة للأمور إلى نصابها فى تحديد العدو الحقيقى والحليف الحقيقى. وفى تصريحات خاصة للإعلامى غسان بن جدو ل«المصرى اليوم» أشار إلى أنها كانت مجرد عملية جس نبض وردا على التقارب السورى السعودى اللبنانى للتهدئة.. إلا أنها أحدثت أثرا عكسياً لتصاب إسرائيل بصدمة حقيقية من هذا الرد العنيف الذى لم تكن تتوقعه من قبل الجيش اللبنانى، مؤكدا أن إسرائيل بذلك قامت بارتكاب حماقة كبرى وقدمت مكسبا مركبا لجميع الأطراف اللبنانية .. مكسبا سياسيا واستراتيجيا مجانيا لحزب الله كقوة مقاومة شرعية قبل ساعات من خطاب أمينه العام حسن نصرالله، ومكسبا ضخما للجيش اللبنانى كأكبر الفائزين بإثباته أنه القوة الجامعة المصرة على الدفاع عن بلده مهما كانت التضحيات، ومكسبا شعبيا بالتفاف سكان الجنوب حول الجيش والمقاومة. وكانت الأغانى الوطنية قد سيطرت على القنوات والإذاعات اللبنانية، بينما سيطر الترقب على غالبية المواطنين، انتظارا لكلمة الأمين العام لحزب الله بمناسبة الاحتفال بالذكرى الرابعة لحرب 2006 ليتجمع مئات الآلاف حتى التاسعة مساء، ويبدأ كلمته بمفاجآت متتالية خلطت جميع الأوراق لتعيد رسم الخارطة اللبنانية بصورة مختلفة حيث أكد فخره بشجاعة وبثبات الجيش وقادته، مشيرا إلى أن مقاتلى الحزب كانوا جاهزين للتدخل فى أى لحظة وأنه اتصل بقادة الجيش والدولة مؤكدا أنهم «تحت تصرف الجيش»، ليعلن أن «اليد الإسرائيلية التى ستمتد للجيش اللبنانى ستقطعها المقاومة»، ويخرج بمعادلة لبنانية جديدة هى تحالف «الجيش والمقاومة والشعب» التى عمدت بالدم.. فى موقف موحد ضد إسرائيل «العدو الوحيد» للبنان، وينتهى إلى أن «المقاومة كانت وستبقى فى خدمة الأجهزة الأمنية».