صاغت كوندوليزا رايس، وزيرة خارجية أمريكا خلال الإدارة الثانية لإدارة جورج دبليو بوش، نظرية الفوضى الخلاقة من خلال حديث فى جريدة «واشنطن بوست» فى أبريل 2005، باعتبار ذلك الحل الوحيد لتحقيق مهمتين عسيرتين فى نفس الوقت باتا لأمريكا المحافظة الجديدة وهما إقامة الديمقراطية ونجاح مشروع شرق أوسطى جديد للسلام. للتاريخ نقول إنّ أوّل من استهوتهم هذه النظريات كان العلماء السوفييت فطرحوا أسئلة حول كيف يتطوّر نسق ما؟ وما هى الشروط التى تجعله مستقرّا أو كيف تحدث فيه طفرات وتغييرات؟ أى ما هو دور «الفوضى» و«الضجيج» فى خلق معلومة وإضفاء نظام جديد على النسق. وكان لخبرة كوندوليزا رايس فى الأمن القومى السوفييتى أثرها فى فهم هذه النظريات والتعامل معها. وتأثرت كوندو بأعمال Benny Channoun عالم الألسنية وأستاذ الفلسفة فى جامعة تل أبيب وجامعة ستانفورد ومختص فى علم النفس، الذى ركّز بحوثه على منطق جديد لنشأة المعلومة وكيف تولد كمعلومة جديدة، لقد شبّه تلك العملية بزقزقة العصافير، فى البداية يزقزق عصفور بطريقته الخاصّة وبمحض الصدفة ثمّ ما يلبث أن تتبعه العصافير الواحد بعد الآخر، وهكذا من الفوضى الأولية تنطلق العصافير فى زقزقة واحدة وكأنها فريق متمرّن على نغم أو سيمفونية، وهكذا ينشأ نظام جديد، إنّها «الفوضى الخلاّقة»: ينشأ النظام الجديد بالترويج المستمرّ والتصاعدى فى مجال محدّد لاضطرابات انطلقت بمحض الصدفة. ثانيا: قال جورج بوش متفاخرا: «إذا أردت فكرة عن مفهومى للسياسة الخارجية، اقرأ كتاب ناتان شارانسكى، إنه يساعدك على فهم الكثير من القرارات التى اتخذت أو سوف تتخذ». والكتاب هو «دفاعاً عن الديمقراطية» ووضعه المنشق السوفييتى السابق، الذى هاجر إلى إسرائيل، وكان وزيراً إسرائيليا لفترة، يطرح نفسه مترافعا «من أجل الدمقرطة الملحة للعالم العربى، الشرط الذى لا غنى عنه من أجل توقيع سلام شامل فى الشرق الأوسط، ومن أجل الأمن فى العالم». وللوصول إلى ذلك الهدف لا يجب أن تتردد الولاياتالمتحدة فى زعزعة الوضع المتكلس والقديم القائم فى الشرق الأوسط منذ عقود «مهما كانت المخاطر المحتملة» حسب تعبير وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس. هذه الرؤية تتبنى فى مجملها طروحات تصف العالم العربى باعتباره تعبيرا عن مجموعة من الأقليات الدينية والعرقية غير القادرة على العيش معاً فى كيانات من الدول القومية. واقترح شارانسكى أن الحل لابد أن يكون مزدوجا: لتحقيق الدمقرطة وتحقيق مصالح الولاياتالمتحدة فى الوقت نفسة من خلال استراتيجية تعتمد على تفجير الانقسامات الاجتماعية، الطائفية والقبلية والعرقية، فى إطار استراتيجية للزعزعة. ومن خلال وصف العالم العربى ب«الرجل المريض فى القرن الواحد والعشرين»، يكشف مستشارو بوش عن رغبتهم فى رؤية مصير مشابه للرجل المريض فى القرن التاسع عشر، أى الإمبراطورية العثمانية التى تم تقسيمها بعد الحرب العالمية الأولى. وأن الهدف واضح فإسرائيل تلعب دور المفجر «الخير» للصراعات فى المنطقة، ويجب أن تساعد أمريكا إسرائيل فى هذا العمل. ورغم تأكيده شمولية الطموح إلى الديمقراطية يتبنى شارانسكى عدداً من المقولات التى طرحها القائلون بأطروحة التناقض الجذرى بين الإسلام والديمقراطية، من حيث عبادة العنف والحرب، وانتشار السلطوية السياسية وغيرهما. ويستمر التحليل.