منذ 4 سنوات اعتاد عربى قاسم، ابن مدينة ميت غمر، أحد سكان أرض الجزيرة، الاستيقاظ كل يوم على رائحة الدخان الناتج عن محرقة المخلفات الطبية الخطرة المجاورة لمنزله. ينهض قاسم من سريره ويتحرك باتجاه نافذة غرفته، يفتحها كما اعتاد أن يفعل طوال 4 سنوات مضت، ليرى مدخنة محرقة النفايات الخطرة، التى تبعد عن منزله 20 مترا. مدخنة صدئة ارتفاعها 12 متراً صار لونها أسود من أثر الدخان المتصاعد منها على مدار اليوم. ينظر قاسم إلى المدخنة، ثم يخرج هاتفه المحمول ويبدأ تصوير الدخان الأسود الكثيف لدقيقة ثم دقيقتين وخمس دقائق، يمل قاسم من التصوير لكن المدخنة لا تتوقف عن نشر دخانها فى سماء المنطقة. يتحدث رضا شحاتة، من سكان أرض الجزيرة، عن بداية عمل المحرقة، ويقول إنها بدأت العمل منذ 4 سنوات وتحديداً فى 2007.. فى البداية قالوا لنا إنها مجرد مدخنة لمطبخ ملحق بمستشفى الكلى المجاور، ولن نشم منه إلا رائحة الطعام، ولكن ما إن انتهوا من تركيب المحرقة، حتى انبعث منها الدخان الأسود، ولم يتوقف حتى الآن. ويضيف: «المسؤولون عن المحرقة لا يرحموننا فهى تعمل منذ 8 صباحا، والمفترض أن تتوقف 4 عصرا لكنها عادة تعمل حتى 10 مساء حيث تستقبل يوميا سيارتى نقل محملتين بالنفايات الطبية الخطرة». أما دسوقى عنتر، فهو أب لطفل يبلغ 3 سنوات يدعى «ياسين»، يعانى من حساسية فى الصدر وأصيب بنزلة شعبية، ويقول والده: «ياسين يشتكى دائما من صدره وعنده دائما سعال وكحة.. نجرى له تنفسا صناعيا كل 3 أشهر، لابد أن نأخذه للطبيب كل شهر تقريبا». سكان منطقة أرض الجزيرة قدموا عشرات الشكاوى إلى مسؤولين فى محافظة الدقهلية ومسؤولين فى الحزب الوطنى ووزارتى الصحة والبيئة، لكن «لا حياة لمن تنادى» كما يقول محمد النمر، عضو مجلس محلى مدينة ميت غمر، الذى يرى أن المسؤولين لا يشعرون بالناس ماداموا يجلسون هم فى مكاتبهم المكيفة، ويستنشقون هواء نقياً. يحكى النمر عن بداية اقتراح إنشاء محرقة فى ميت غمر، ويعود إلى عام 2006 عندما شعر أهالى ميت غمر بالخطر من انتشار كميات ليست بالقليلة من «السرنجات» والقطن الطبى الملوث وغيرهما من المخلفات الطبية فى شوارع ميت غمر ووسط تجمعات القمامة، وهو ما دفع أعضاء المجلس المحلى إلى المطالبة بإنشاء محرقة للنفايات الطبية فى المدينة لاستيعاب مخلفات المستشفيات الحكومية والخاصة وعيادات الأطباء، على أن تعمل المحرقة بنظام الكيماويات المذابة ونظام التعقيم الحديث. جاءت الموافقة وتم تركيب المحرقة وتشغيلها فى 2007، ويقول محمد النمر: منذ ذلك اليوم حتى الآن والمحرقة تغطى المنطقة بدخانها الأسود الكثيف، واكتشفنا أيضا أن المحرقة ليست متطورة، إنما تعتمد على حرق المخلفات الطبية بدلا من نظام التعقيم الحديث، ببساطة أدركنا أنهم أعطونا «فرن بطاطا» بدلا من المحرقة الطبية المتطورة التى طلبناها. لا يعانى سكان أرض الجزيرة وحدهم من دخان المحرقة، بل أيضا كل مرضى مدينة ميت غمر، حيث تقع المحرقة بجوار 3 مستشفيات رئيسية بالمدينة هى: مستشفى حميات ميت غمر، ومستشفى الكلى والمسالك البولية، ومستشفى الأورام، الذى بدأ العمل منذ أسابيع قليلة. ذهبنا إلى مستشفى الكلى باعتباره الأقدم فى المنطقة، وتوجهنا إلى مديره الدكتور حامد سليم، الذى رد على استفساراتنا حول مدى خطورة المحرقة على مرضى المستشفى بتحفظ شديد، وعبارات مقتضبة: «المحرقة تؤثر على المرضى ولها أضرار .. والمطلوب تحسينها وتطويرها». تحفظ مدير مستشفى الكلى يسهل تفسيره فى ظل تبعية كل من المستشفى ومحرقة النفايات الطبية إلى مديرية الشؤون الصحية بميت غمر برئاسة الدكتور أحمد الطوبجى، المدافع الأول عن مطابقة المحرقة للمواصفات الفنية، واستمرار بقائها فى أرض الجزيرة مستندا إلى ما أخبرنا به فى لقائنا الأول به، أن «الدخان الأسود المنبعث من المحرقة نظيف ومعالج» على حسب تعبيره، بينما قال لنا نصا فى لقائنا الثانى: «إن مديرية الشؤون الصحية فى ميت غمر خرساء لا تتحدث»، رافضا التعليق على مشكلة المحرقة. تضرر سكان المنطقة يظهر حتى فى المخاطبات الرسمية بين مسؤولى المحرقة ومدير الإدارة الصحية بميت غمر، ففى خطاب، حصلنا على نسخة منه، صادر من مسؤولى المحرقة الطبية إلى الإدارة الصحية بتاريخ 14/1/2010، يتحدث عن كثرة شكاوى المواطنين المجاورين للمحرقة الطبية من الدخان المنبعث منها «بشكل طبيعى»، ويطلب مسؤولو المحرقة من الإدارة الصحية «الموافقة على تعديل لنظام الدخان المتصاعد بعمل وحدة معالجة للدخان» إلا أن الإدارة الصحية لم ترد على هذا الخطاب. وفى نفس السياق، قال مصدر فى الإدارة الصحية بميت غمر، رافضا كشف اسمه، إن المحرقة الطبية نظامها بدائى وتحتاج إلى تطوير، وإن المحرقة تعمل فترات طويلة بعد ساعات عملها الرسمى ما دامت هناك مخلفات طبية تحتاج إلى الحرق»، وأضاف المصدر أن: «متوسط إيرادات المحرقة شهريا يبلغ 34 ألف جنيه، وإجمالى إيرادات المحرقة بعد إعادة تشغيلها يبلغ 354 ألف جنيه، فى حين يبلغ إجمالى الإيرادات منذ بداية العمل حوالى 400 ألف جنيه، ولم يتم استخدامها لتطوير المحرقة». وأكد نفس المصدر أن «أبواب المحرقة وفرن المحرقة يوجد بها عيوب، كما أن خطاباً صادراً من مدير المحرقة إلى الإدارة الصحية بميت غمر فى يناير 2010 يتحدث عن حاجة مدخنة المحرقة إلى صيانة لأنها قد تسقط فى أى لحظة». ويقول المصدر إن «طاقة عمل المحرقة لا تتناسب مع الكميات الكبيرة من المخلفات الطبية التى ترد إليها، وبالتالى فإن الإدارة الطبية بميت غمر قد تنقل محرقة فى ميت سلسيل لا يتم استغلالها بشكل جيد للعمل بجوار محرقة ميت غمر»، وهو ما يعنى المزيد من الدخان.