يحمل سكان أرض الجزيرة بين أيديهم تقريراً، يعتبرونه الأمل الوحيد فى نجاتهم من «الغازات القاتلة»، وشهادة وفاتهم فى آن واحد.. تقرير أعدته لجنة من معمل القياسات البيئية التابع لوزارة البيئة، ويؤكد التقرير الذى أعده كل من المهندس محمود العنانى والكيميائى مجدى الحصرى، وصدر بتاريخ 17/2/2009، تحت رقم 46/ِAL/ 2009، أن محرقة النفايات الطبية الموجودة بمستشفى الكلى بميت غمر، «تقع فى منطقة سكنية»، وكتب معدو التقرير أن «قراءتى أول أكسيد الكربون وثانى أكسيد الكبريت المنبعثة من المحرقة خارج الحدود المسموح بها فى القانون»، يوضح جدول قراءات الانبعاثات الآتى: تركيز أول أكسيد الكربون الصادر من المحرقة يبلغ 6735 ملليجرام/متر3، بينما الحد المسموح به فى قانون البيئة لسنة 1994 يبلغ 100 ملليجرام/ متر3، وأن تركيز ثانى أكسيد الكبريت يبلغ 2145 ملليجرام/ متر3، بينما الحد المسموح به 50 ملليجرام/ متر3. وقررت لجنة التفتيش البيئى أن محرقة مستشفيات ميت غمر مخالفة للقانون، حيث خالفت المادتين 31 و37 لعدم التخلص الآمن من المخلفات الخطرة والمخلفات الصلبة، ومخالفة المادة 40 لارتفاع الانبعاثات الصادرة من المحرقة خارج الحدود، ومخالفة المادة 43 لعدم توافر مهمات الوقاية اللازمة للعاملين، وتحت عنوان «الأضرار المترتبة على المخالفات»، أكد تقرير وزارة البيئة أن «عدم التخلص الآمن من المخلفات الخطرة الناتجة عن المستشفى يؤدى إلى تعرض العاملين لأمراض كثيرة خطرة ومعدية وانتشار الأوبئة فيما بينهم»، ويوضح التقرير أن «عدم التخلص الآمن من المخلفات الصلبة يؤدى إلى تلوث البيئة المحيطة والإضرار بها، وبالتالى يؤدى إلى انتشار الأمراض فلابد من التخلص منها فى الأماكن المخصصة لاستقبال ومعالجة القمامة والمخلفات الصلبة». وأكد أيضا أن «عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتقليل نسبة الانبعاثات، وتنتج عنه غازات مثل أول أكسيد الكربون وهو غاز سام يتحد مع هيموجلوبين الدم أسرع من الأكسجين، مما يسبب الدوار والصداع الشديد، وفى التركيزات العالية يسبب الوفاة، وأيضا غاز ثانى أكسيد الكبريت، وهو أيضا غاز سام، وله تأثير مدمر جداً على الجهاز التنفسى على المدى الطويل، ويسبب الوفاة فى حالة التعرض للتركيزات العالية». أحالت وزارة البيئة محرقة ميت غمر والمسؤول عنها، وهو الدكتور حسنى محمد شرف الدين، مدير الإدارة الصحية بميت غمر حينها للنيابة، بناء على هذا التقرير، وتحمل مذكرة الإحالة للنيابة رقم 3698 جنح قسم ميت غمر بتاريخ 28/2/2009، لكن التحقيقات انتهت إلى الحفظ دون معاقبة أى من المسؤولين، لكن تقرير وزارة البيئة دفع المجلس المحلى فى ميت غمر إلى الاجتماع والمطالبة بنقل المحرقة خارج الكتلة السكنية، وضرورة تأهيل المحرقة طبقا للشروط البيئية الصحية، لكن الإدارة الصحية بميت غمر ظلت رافضة فكرة نقل المحرقة خارج الكتلة السكنية بحجة أنها ليست المسؤولة عن اختيار هذا الموقع بل وزارة الصحة ومديرية الصحة بالمحافظة. رغم أن تقرير وزارة البيئة لم ينته بتقديم أى من المسؤولين للمحاسبة فإنه أجبر الإدارة الصحية على إغلاق المحرقة لمدة 4 أشهر كاملة لمخالفتها القانون، وهو أمر تنفيه الإدارة الصحية باستمرار، بينما يؤكده خطاب صادر عن وزارة البيئة بتاريخ 21/3/2010 تحت رقم قيد 3/6070، ورغم وجود تقارير وخطابات رسمية من وزارة البيئة تثبت خطورة المحرقة، فإن الإدارة الصحية بميت غمر استمرت فى إصرارها، عبر العديد من المخاطبات الرسمية بينها وبين المجلس المحلى، على أن توقف المحرقة كان بسبب عطل فى الولاعة العليا نافية تقارير البيئة التى تؤكد الأثر الضار لانبعاثات المحرقة على سكان المنطقة لكى تتجنب المطالبات العديدة بنقل المحرقة خارج المنطقة السكنية. كل ما قدمته الإدارة الصحية لحل مشكلة المحرقة، أنها زادت من قدرات المحرقة على حرق المخلفات الطبية، من خلال مضاعفة قوة الولاعات إلى 8 جالونات بدلا من 4 جالونات، وهو ما يعنى زيادة كمية المخلفات الطبية الخطرة، وهو ما يؤكده مستند رسمى صادر من المحرقة الطبية إلى مدير الإدارة الصحية بميت غمر، يؤكد زيادة كمية المخلفات الطبية التى تم حرقها، حيث بلغت الكمية 950 كيلوجراما فى سبتمبر 2009، ثم 3 أطنان و188 كيلوجراما فى أكتوبر 2009، ثم 8 أطنان و951 كيلوجراما فى نوفمبر 2009، وأخيرا 9 أطنان و146 كيلوجراما فى ديسمبر 2009 بإجمالى 257 دورة تشغيل خلال 4 أشهر فقط من العمل، ويكشف مستند آخر أن العمل فى المحرقة لم يتوقف حتى فى العطلات الرسمية، ويظهر فى الطلب الموجه من مسؤولى المحرقة إلى مدير الإدارة الصحية بصرف المبالغ المخصصة للعاملين بالمحرقة بدلا عن أيام عطلة عيد الأضحى لحرق كميات إضافية من المخلفات الطبية الخطرة بلغت 2 طن و700 كيلوجرام، وهو ما يعنى أن سكان أرض الجزيرة قضوا عيد الأضحى تحت ظلال من الدخان الأسود الكثيف المشبع بأول أكسيد الكربون وثانى أكسيد الكبريت. ورغم التقارير السابقة الصادرة عن وزارة البيئة والمجلس المحلى بميت غمر فإن وزارة البيئة أصدرت تقريراً جديداً فى 20/3/2010 يخالف تماما تقريرها الأول، قالت فيه إن «الانبعاثات الصادرة عن المحرقة داخل حدود المسموح به فى القانون، وأن المحرقة قد تمت إعادة تأهليها وإعادة تشغيلها». لم يقدم التقرير الجديد إلا تلك السطور المقتضبة، مؤكدا سلامة المحرقة للعمل دون أن يقدم أى أرقام تفصيلية حول حجم الانبعاثات التى رصدها، وما النسب التى يسمح بها القانون، كما حدث فى تقرير 2009. وأثار التقرير الثانى فى 2010 سخط المواطنين، لأنه ينافى ببساطة رائحة الدخان الأسود التى تزكم أنوفهم بشكل يومى، وروشتات أطفالهم الذين يعانون من أمراض صدرية فى سن مبكرة، ليس سكان أرض الجزيرة وحدهم الذين يختلفون مع هذا التقرير، بل يختلف معه أيضا الدكتور صديق عزب، مدير الإدارة البيئية بمجلس مدينة ميت غمر، الذى يقول إن الوضع الحالى للمحرقة ضار جدا، وإن الدخان الأسود المنبعث منها مازال محملا بأول أكسيد الكربون وثانى أكسيد الكبريت، والدليل أننى موجود اليوم فى المحرقة لمحاولة إضافة خزان مياه إليها يخفف من كثافة الدخان المنبعث منها، يتحرك الدكتور فى اتجاه بوابة المحرقة لكنه يشير إلى المنازل المحيطة بالمحرقة، ويقول: «انظروا.. لا يوجد شباك واحد مفتوح، ولا يستطيع أحد فتح شبابيك منزله أثناء عمل المحرقة، لأن الدخان الأسود سيملأ بيته»، ويعلق الدكتور صديق على تقرير البيئة الثانى قائلا: «من المؤكد أن عينة القياس تم أخذها فى وقت كانت المحرقة انتهت فيه من حرق كمية المخلفات التى بداخلها، وبالتالى الانبعاثات كانت أقل».