«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المصري اليوم» تكشف معاناة 10 آلاف مواطن بالغربية .. مستشفى «حميات المحلة» يحول «قلب» قرية «الدواخلية» إلى مقلب لحرق النفايات الخطرة

عقارب الساعة تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل، عندما خرجت الأم من منزلها، مرتدية عباءتها السوداء، مهرولة بأسرع خطواتها وهى تحتضن بين ذراعيها طفلتها الوحيدة، صاحبة السنوات الأربع، قاصدة منزل جارها الحاج «فتوح محمد»، بعدما فشلت فى إيجاد طبيب ينقذ طفلتها، التى ضاق صدرها واختنقت أنفاسها، ومال لون وجهها وأطرافها الأربعة إلى «الزرقة»، لتعلن عن بدء أزمة شعبية حادة جديدة.
خروج الأم التى شارفت الثلاثين، وتدعى «رضا البسطانى»، من منزلها الواقع فى إحدى عزب قرية «الدواخلية»، التابعة لمركز ومدينة المحلة الكبرى فى محافظة الغربية بعد منتصف الليل، أمر اعتادت عليه منذ أن أكملت طفلتها «نورا» شهرها السادس، بسبب تكرار إصابتها بالأزمات الشعبية، والتى لا ينقذها منها –حسب ما أكدته الأم- سوى تلقى جلسة الأكسجين من خلال جهاز الاستنشاق، الذى يمتلكه جارها الحاج «فتوح».
«نورا» كغيرها من أطفال القرية، يعانى أغلبهم من حساسية الصدر والأزمات الربوية الحادة التى جاءت نتيجة استنشاق الأدخنة المنبعثة من حرق مزيج من النفايات الطبية الخطرة والعادية فى مقلب القمامة العمومى، الواقع فى قلب القرية، التى أطلق عليها قاطنوها لقب قرية «الدخان» - حسب ما روته الأم - التى التقينا بها وزوجها فى منزل جارها الحاج «فتوح»، وهما يحاولان تهدئة الصغيرة لتلقى الجلسة، بعد حالة الخوف والصراخ، التى انتابتها بمجرد رؤية جهاز الاستنشاق.
وهو ما فسرته الأم قائلة: «الجهاز بيفكر بنتى بتعبها.. من ساعة لما وعيت على الدنيا وهى بتستعمله».
طوال مدة الجلسة التى استغرقت 15 دقيقة ظلت الأم تراقب حركة صعود وهبوط صدر صغيرتها، بعد أن ارتبطت أنفاسها وبقاؤها على قيد الحياة بتدفق الأكسجين من الجهاز إلى خلايا صدرها.
مرت الدقائق دون أن تفارق علامات القلق والتوتر وجه الأم، حتى انتظمت أنفاس الطفلة، وبدأت تستعيد «نورا» وعيها من جديد، وهو ما بدا من الابتسامة الرقيقة، التى ارتسمت على وجهها من أسفل قناع الاستنشاق، وهى ناظرة إلى والديها، وكأنها تبعث إليهما برسالة مفادها «خلاص أنا بقيت بخير».
جهاز معالجة أزمات الربو أصبح بالنسبة للطفلة «نورا» بمثابة «طوق نجاة»، لكثرة الأزمات التى تتعرض لها، والتى تنتابها أحياناً 4 مرات يومياً، بحسب كلام والدتها التى أضافت: «طول عمرى باجرى بيها على الدكاترة الساعة 12 بالليل، ولما الوقت بيتأخر عن كده باجى بيها لبيت الحاج (فتوح)، خصوصاً إنى ضاع منى 3 أولاد قبلها، بسبب مشاكل فى صدرهم».
الوضع الصحى لعائلة الحاج «فتوح» لم يختلف كثيراً عن عائلة الطفلة «نورا»، فسجل عائلته حافل بالعديد من الأمراض التنفسية والصدرية، التى فقد على إثرها 5 أفراد من عائلته على أسَرة مستشفى الصدر- حسبما يؤكد- وهم والده واثنان من أعمامه، وكذلك والدته، قبل أن ينضم هو الآخر إلى هذا السجل، بعد إصابته بحساسية صدرية، أجبرته على ألا تفارق «البخاخة» جيبه.
يصمت «فتوح» للحظات يسترجع خلالها الأيام التى سبقت وفاة والدته، والتى ساءت خلالها حالتها المرضية بشدة – حسب قوله- مما دفعه إلى شراء جهاز الاستنشاق، ليخفف عنها حدة الأزمات الربوية، التى كانت كثيراً ما تتعرض لها، دون أن يخطر على باله يوماً، بأن هذا الجهاز سيتحول إلى «صدقة جارية» على روحها، لإسعاف أهالى القرية، خاصة الأطفال، ومعه يتحول منزله الريفى المتواضع إلى وحدة طوارئ تعمل 24 ساعة.
وأمام باب منزله وقف «فتوح» يشرد ببصره ناحية مقلب القمامة، مؤكداً أن عملية الحرق لا تقتصر فقط على القمامة العادية، وإنما يضاف إليها أطنان من المخلفات الطبية الخطرة، التى تشتعل النيران فيها دوماً، بفعل درجات الحرارة المرتفعة، أو لمجرد إلقاء أحد المارة «عقب» سيجارة مشتعل بداخلها، فتنتشر الأدخنة فى جميع أرجاء القرية، لوقوع المقلب فى الناحية البحرية منها.
كلمات الحاج «فتوح» دفعتنا للتوجه إلى مقلب القمامة بالقرية، لنجده واقعاً على مساحة شاسعة من الأرض، حوالى 4 آلاف متر مربع حسب ما أكده الأهالى، ويشعرك كبر مساحة المقلب بأنك فى مكان مهجور، لا تسمع فيه سوى صوت الغربان ونباح الكلاب الضالة، رغم إحاطة المنازل له من كل جانب.
وبالتجول داخل أرضه وجدنا بقايا لأكياس حمراء، متناثرة فى كل مكان، اقتربنا منها لنجدها مليئة بالحقن البلاستيكية مختلفة الأحجام، وأكياس آخرى للدم والمحاليل والجلوكوز، والقطن المخضب بالدماء، وفلاتر الغسيل الكلوى، ملقاة فى أنحاء متفرقة من المقلب، والتى لم تطلها النيران بشكل كامل، فأحرقت أجزاء بسيطة منها وتركت الآخرى ظاهرة، ليميزها كل من يمر بجوار المقلب عن بقية مخلفاته العادية.
قضينا تحت حرارة الشمس القاسية ما يقرب من نصف ساعة، التقطنا خلالها عدداً من الصور، التى تثبت معاناة أهالى القرية، البالغ عددهم عشرة آلاف و770 نسمة - وفقاً لتقديرات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء لعدد سكان القرية فى أول يناير من العام الحالى- خرجنا بعد ذلك من المقلب إلى الشارع الرئيسى للقرية، الذى زينته لافته قماشية مكتوب عليها «أهالى قرية الدواخلية.. لا للنفايات الطبية الضارة.. كفانا أمراضاً وفقراً»، تجمع أسفلها الأهالى،
وكان من بينهم محمد المرسى، عضو المجلس المحلى للقرية والذى قال: «تستقبل القرية يومياً ما يقرب من 300 طن نفايات، ما بين قمامة عادية ونفايات طبية خطرة، تأتى من مستشفيات مراكز المحلة، فوق السيارات المكشوفة، والجرارات الزراعية التابعة لمجلس المدينة، وكذلك عربات المجلس المحلى، لتجميعها فى المقلب بشكل مؤقت، لحين نقلها إلى المدفن الصحى فى مدينة السادات، إلا أن المقاول المسؤول عن المقلب لا يقوم بترحيل سوى 50 طناً فقط من هذه المخلفات، تاركاً باقى الكمية فى مقلب القرية، فتتراكم القمامة وتشتعل فيها النيران ذاتياً بفعل درجات الحرارة العالية».
هذا الاتهام رفضه هانى عبدالله النجار، مقاول المقلب والمسؤول عن ترحيل النفايات منه إلى مدفن مدينة السادات، مشيراً إلى أن شركته تمتلك ما يقرب من 40 سيارة، تعمل على مدار 24 ساعة لنقل مخلفات القمامة من مقلب القرية إلى مدفن مدينة السادات، وقدرها 500 طن قمامة يومياً.
وقال: نقوم بترحيل المخلفات الواردة إلى المقلب بشكل يومى ومنتظم، دون السماح لأحد بإشعال النيران فيها، حتى لا تهدد السيارات الناقلة لها، فسعر السيارة الواحدة مليون جنيه، وتمر على ثلاث محافظات هى الغربية والبحيرة والمنوفية حتى تصل إلى مقلب السادات».
وبمواجهة يوسف محمد، مدير مقلب القمامة، التابع لجهاز النظافة والتجميل بالمحلة الكبرى بما ردده الأهالى عن توافد كميات من النفايات الطبية الخطرة مع أطنان القمامة لحرقها بالمقلب قال: «منذ 4 أشهر كانت بالفعل تتوافد المخلفات الخطرة مع القمامة العادية إلى المقلب لحرقها والتخلص منها، بسبب تعطل محرقة مستشفى الحميات، وكنا نشرف على حرق النفايات، ودفنها باللودر، لضمان عدم تسربها لتجار لخردة، لكن هذا الوضع استمر لمدة أسبوع حتى تم إصلاح المحرقة، أما الآن فتتولى المحارق التخلص من النفايات الخطرة داخل المستشفيات أولاً بأول».
فى حين رفضت ميرفت رفعت، ربة منزل، من سكان القرية، تصريحات مسؤولى المقلب عن خلوه من النفايات الطبية الخطرة بشدة، مؤكدة أن نقل النفايات الخطرة إلى مقلب مازال مستمراً، فوق الجرارات الزراعية والسيارات المكشوفة أمام مرأى الجميع، معربة عن تخوفها من إصابة أطفال القرية بالأمراض الوبائية، بسبب لهوهم بالسرنجات وأكياس الدم والمحاليل الملقاة على جانبى الطريق، والتى تتساقط من وفوق الجرارات أثناء نقلها إلى المقلب.
وهنا التقطت إحدى سيدات القرية وتدعى «فاطمة» طرف الحديث لتستكمل وصف معاناة الأهالى من حرق النفايات الخطرة داخل مقلب القرية قائلة بلهجة قروية: «الأطفال هنا مش عايشين إلا بالبخاخة، وعيالى الاثنتين بيعانوا من الأمراض الصدرية من وهما أطفال، والدكتور أكد لى أنهم مولودين بيها، ووصف لهم البخاخات من صغرهم».
زيارة واحدة لإحدى عيادات الصدر فى القرية تمكنك من معرفة الحجم الحقيقى لمأساة الأهالى، الذين قد تضطرهم الظروف إلى افتراش أرضية العيادات لساعات طويلة. الدكتور محمود محمد الدرينى، اخصائى الباطنية والأمراض الصدرية، والواقعة عيادته فى قلب القرية، أكد أنه يتردد على عيادته يومياً ما بين 10 و15 طفلاً أقل من 6 سنوات، يعانون أزمات ربوية وحساسية فى القصبة الهوائية والعين والجلد، لافتاً إلى أن تلك الحالات زادت فى الآونة الأخيرة، بسبب الدخان الذى يستنشقه الأطفال من حرق المخلفات فى مقلب قمامة القرية.
«الدرينى» يضطر إلى تشغيل جهاز معالجة أزمات الربو لما يقرب من 20 مرة يومياً داخل عيادته-حسب تقديره- لإنقاذ الأطفال من الأزمات الربوية، التى يتعرضون لها بسبب استنشاق الدخان.
ويتسبب استنشاق الأمهات الحوامل للدخان الناتج عن حرق المخلفات الطبية الخطرة فى إنجاب أطفال مصابين بحساسية الصدر، حيث يتأثر الجنين بشكل مباشر بما تستنشقه الأم من أدخنه، -حسب ما ذكره الدرينى- فالطفل الذى تتعرض والدته لاستنشاق تلك الأدخنة يكون عرضة للإصابة بالأزمات الربوية الحادة بمعدل 10 أضعاف الطفل العادى، محذراً من استمرار التعرض لتلك الأدخنة، والذى يترتب عليه تطور حالة إصابة الطفل بأمراض سرطانية.
وهو الرأى الطبى نفسه الذى أيده الجانب الحكومى ممثلاً فى الدكتور عادل النعناعى، مدير مستشفى صدر المحلة قائلاً: «تعرض الأهالى للدخان الناتج عن حرق المخلفات سواء العادية أو مخلفات النفايات الخطرة يؤدى إلى إصابتهم بأمراض حساسية الصدر وأزمات الربو الشعبى، ويمتد الأمر إلى إصابتهم بأمراض سرطانية، وتليف رئوى على المدى البعيد، فاستنشاق هواء الدخان المشبع بالمواد الهيدروكربونية، الذى ترتفع فيه نسبة عنصرى أول وثانى أكسيد الكربون فى الهواء، يضر بالجهاز التنفسى العلوى والسفلى، فالمفترض ألا تزيد نسبة هذين العنصرين فى الهواء الطبيعى عن نصف من مائة فى المائة».
وحصلت «المصرى اليوم» على صورة ضوئية لأحد التقارير الطبية الصادرة عن مستشفى صدر المحلة، الذى رصد تعدد إصابات أهالى القرية بالأمراض الصدرية، ومنها النزلات الشعبية، والالتهابات الرئوية، والربو الشعبى المزمن، مع أزمات حادة متكررة، فيما أشار التقرير إلى إصابة بعض الأهالى بتليف رئوى وأمراض سرطانية، وهو ما علق عليه «النعناعى» قائلاً: «من المعروف أن حرق البلاستيك أحد أسباب الإصابة بالأمراض السرطانية، وأغلب الأهالى المترددين على المستشفى يعانون حالات اختناق، تستدعى إمدادهم بجلسات العلاج بالأكسجين، مما يستدعى حجز بعضهم داخل المستشفى، الذى يستهلك 50 أسطوانة أكسجين يومياً».
وأوضح النعناعى أن العيادات الخارجية بالمستشفى استقبلت 550 حالة من أهالى القرية عام 2009، تم حجز 10٪ منهم داخل المستشفى.
ونصحنا الحاج «الشرقاوى البسيونى»، أحد أهالى القرية، بالتوجه إلى مقلب القمامة فى حدود الساعة العاشرة صباحاً، لمشاهدة سيارات جهاز النظافة، المحملة بالنفايات الطبية الخطرة، أثناء قدومها من محرقة مستشفى حميات الحملة، لإلقائها داخل المقلب، وهو ما تمكنا بالفعل من التقاطه وتسجيله بالصور.
فى اليوم التالى توجهنا إلى مستشفى «حميات المحلة»، لمعرفة كيفية سير العمل داخل محرقته، وبمجرد الوصول عند مدخل المستشفى وجدنا أنفسنا أمام بوابة حديدية ضخمة، توحى بأنك أمام صرح طبى عظيم، يحمل جانبها الأيمن لافتة مكتوباً عليها «مستشفى الحميات.. المحلة الكبرى»، بينما تزين الجانب الآخر بخطوط تحمل نص الآية القرآنية الكريمة «وإذا مرضت فهو يشفين».
الدخول والتجول بين مبانى المستشفى أمر سهل، فلن تجد من يعترض طريقك أو يسألك عن سبب تواجدك فى أى موقع، حتى الأماكن المحظور الدخول فيها لغير العاملين، وهو ما حدث معنا عندما توجهنا إلى مبنى محرقة المستشفى «للمخلفات الطبية الخطرة»، الذى يبدو لك من بعيد وكأنه مبنى تعرض لقصف مدفعى خلال حرب شرسة، من شدة السواد الذى يكسو حوائطه من الداخل والخارج.
علامات الحذر والخوف التى ارتسمت على وجوهنا، خشية أن يلمحنا أحد من العاملين فى المحرقة تلاشت بمجرد دخول حيز المحرقة، الذى كشف لنا عدداً من المفاجآت، منها أن محرقة النفايات الطبية الخطرة بالمستشفى «دون باب»، فمدخلها الوحيد مجرد فتحة فى جدار، ارتفاعها حوالى مترين وعرضها لا يتجاوز 75 سنتيمتراً.
واصلنا السير حتى وجدنا أنفسنا داخل غرفة منقسمة إلى جزأين، أحدهما تُجمع فيه أكياس النفايات الطبية الخطرة، ذات اللون الأحمر، ملقاة على الأرض، كأنها فى طريقها إلى الحرق، بعضها كان مفتوحاً تتدلى منه السرنجات والخراطيم الطبية والقطن المشبع بالدماء، فيما بدت أكياس أخرى شبه مغلقة، وثالثة تبرز من داخلها الأجزاء المعدنية والحادة للسرنجات والمحاليل، وإلى جوار الأكياس جرار يدوى، يتم من خلاله نقل المخلفات إلى المحرقة.
حاولنا تخطى الأكياس الخطرة بحذر شديد، لدخول القسم الثانى من المحرقة وفيه جهاز الحرق، ولمدة عدة دقائق تجولنا فى قلب المحرقة، دون أن يشعر أحد بوجودنا، لكننا بمرور الوقت شعرنا بحالة اختناق، وكأن صدورنا تبدى اعتراضها على استمرارنا فى هذا المكان، فانتابتنا موجة من السعال المستمر، وحاولنا كتم أنفاسنا، حتى لا يلتفت أحد لأصواتنا، لحين إنهاء مهمتنا بالتقاط بعض الصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو لجهاز المحرقة، الذى يعمل دون رقيب.
جهاز الحرق عبارة عن ماكينة ضخمة، مكونة من حلقات مستديرة، مصنوعة من الحديد، الذى تآكلت بعض أجزائه بفعل الصدأ، وذلك من كثرة استهلاك وتشغيل المحرقة، التى تعمل على مدار 6 ساعات يومياً، لاستيعاب حرق وإعدام ما يقرب من 400 كيلو مخلفات طبية خطرة، حيث تتوافد المخلفات على المحرقة من 6 مستشفيات حكومية، هى الصدر والرمد والمحلة العام، والمبرة والمركز الطبى ومركز القلب ومستشفى الشركة، بالإضافة إلى 10 مستشفيات خاصة ومركزين للكلى و350 عيادة خاصة، متعاقدة مع إدارة مستشفى الحميات، على حرق نفاياتها الخطرة داخل محرقتها، باعتبارها المحرقة الوحيدة داخل حيز مدينة المحلة الكبرى، حسبما أكد أحد المصادر المطلعة داخل المستشفى، الذى رفض ذكر اسمه.
أما سقف المحرقة فمصمم من الصاج، وبه فتحة مستديرة، يصعد منها عمود المحرقة، الذى يبلغ قطره حوالى 15 سنتيمتراً وارتفاعه خمسة أمتار، تنحصر مهمته فى إلقاء الدخان الناتج عن الحرق فى هواء الحيز العمرانى والزراعى المحيط بالمستشفى.
طوال مدة تشغيل المحرقة، التى تستغرق الدورة الواحدة فيها ساعة كاملة، تتناثر حبات من رماد النفايات الطبية المحترقة حول جهاز الحرق، والمتساقطة من عمود مدخنة المحرقة إلى داخلها، حتى كسا اللون الأسود أرضية المحرقة، وهى المشكلة التى يتغلب عليها موظفو المحرقة بكنس أرضيتها بمقشة مصنوعة من جريد البلح، «مقطومة» الذراع، وكانت ملقاة على الجانب الأيسر من جهاز الحرق.
يصدر عن جهاز الحرق صوت شديد الإزعاج، ويفصله عن سور المستشفى وباقى أجزائها شبكة حديدية مربعة، وإن كانت قد امتلأت المسافة بين الشبكة والسور بأكوام من القمامة، الأمر الذى يهدد باشتعال النيران فيها لأى سبب من الأسباب، وانفجار جهاز الحرق، الذى يعمل بالسولار.
وهو ما علق عليه الدكتور سعيد شلبى، عضو لجنة السلامة والصحة والمهنية بالمركز القومى للبحوث، قائلاً: «تصميم المحارق له مواصفات خاصة، فيجب ألا يقل ارتفاع عمود المحرقة عن 40 متراً، وتكون الفتحة الخارج منها عمود المدخنة محكمة، لضمان عدم تسرب رماد الحرق منها إلى أرضية المحرقة، التى من المفترض أن تكون مبطنة بالسيراميك».
خرجنا بعد ذلك من المحرقة، لنجد إلى جوارها كومة من الرماد الأسود لمخلفات مشتعلة، يتصاعد منها الدخان بكثافة، فاعتقدنا فى البداية أنه دخان ناتج عن حرق بعض مخلفات للقمامة العادية، لكن أنوفنا التى تشبعت من دخان حرق النفايات الخطرة داخل المحرقة استطاعت بسهولة أن تميز رائحة هذا الدخان، فكان دخاناً لرماد ناتج عن حرق نفايات طبية خطرة.
قررنا أن نقلب محتويات هذا الرماد، وبالفعل ظهرت لنا على سطحه أجزاء من سرنجات وعلب أدوية فارغة، وأكياس محاليل، لم يتم حرقها بالكامل، وعلى هذا الحال استمر الدخان فى التصاعد من قلب الرماد إلى عنان هواء المستشفى الطلق، فتلقى به الرياح إلى جميع مبانى وأنحاء المستشفى، وأولها مبنى المعمل الكيمائى لمدينة المحلة الكبرى التابع لمديرية الشؤون الصحية الواقع داخل المستشفى، والمقابل للمحرقة مباشرة، وذلك قبل أن تحمله الرياح، ليكمل مسيرته إلى مستشفى صدر المحلة، الذى يبعد أمتاراً قليلة عن مستشفى الحميات وهو ما رفض مدير المستشفى التعليق عليه، مؤكداً أن المنوط بالرد على وسائل الإعلام هو وكيل أول وزارة الصحة بالمحافظة.
خرجنا من باب المستشفى، والتقينا أمامه بأحد سكان العمارات المواجهة للمستشفى ويدعى «محمد جمال»، الذى أكد أن حرق النفايات الطبية الخطرة خارج محرقة المستشفى أمر عادى - على حد وصفه- ثم اصطحبنا مندفعاً إلى المنطقة الواقعة خلف سور المستشفى، وكأنه يرغب فى أن يكشف لنا عن أمر يزعجه بشدة، لنجد أنفسنا أمام منطقة زراعية مزروعة بمحاصيل الأرز والذرة والكرنب والبامية، اختلطت حقولها ببقايا المخلفات الطبية الخطرة، فوجدنا بقايا من أكياس الكلوكوز والمحاليل والسرنجات والخراطيم وفلاتر الغسيل الكلوى فى قلب الزراعات، بعد أن زحفت إلى الحقول، التى يفصلها متر واحد عن سور المستشفى.
حرق النفايات الخطرة بجوار المحاصيل الزراعية يؤدى إلى ارتفاع نسبة عنصرى أول وثانى أكسيد الكربون فى الهواء، بما يؤثر على نسبة الأكسجين فى المنطقة المحيطة بالنبات، فيصعب عليه استنشاق الأكسجين، وتتراجع كفاءة عملية البناء الضوئى والتمثيل الغذائى حسب ما أكده - الدكتور عبدالمعطى شاهين، أستاذ الخضر بالمركز القومى للبحوث.
الدكتورة عفاف عزت، أستاذ التغذية بالمركز القومى للبحوث، أكدت أن تناول الإنسان نباتات تحتوى على مركبات كيميائية بشكل تراكمى يهدد بتغير خلايا الجسم، ويعرضه للإصابة بالمخاطر السرطانية.
خطر آخر حذر منه الدكتور يحيى حسن، استشارى التغذية والسمنة عند تناول تلك النباتات قائلاً: «تناول الإنسان نباتات تحتوى على مواد مثل غازى أول وثانى أكسيد الكربون وأكاسيد الكبريت، يؤدى إلى الوفاة لأن أول أكسيد الكربون يتحد مع هيموجلوبين الدم، مكوناً مادة (ميتوهيموجلوبين)، ولا تنفصل تلك المادة عن الهيموجلوبين، ويؤدى تراكمها داخل الجسم إلى استنزاف الهيموجلوبين ومن ثم حدوث الوفاة».
انتهت جولتنا مع «محمد» خلف سور المستشفى، وأثناء مرورنا من جديد أمام بوابته، وجدنا مصادفة ما أكده لنا الحاج «الشرقاوى» مسبقاً حيث توافدت سيارات نصف نقل مكشوفة ومحملة بأكياس النفايات الطبية الخطرة ذات اللون الأحمر، مكتوب على جانبيها «رئاسة مركز ومدينة المحلة الكبرى.. جهاز النظافة والتجميل»، وكذلك جرارات زراعية محملة بنفس الأكياس، وإلى جوارها سيارة مكتوب عليها «سيارة نقل نفايات طبية خطرة».
انتظرنا حتى انتهت السيارات والجرارات من تحميل أكياس النفايات، وانطلقنا خلفها، حيث سلكت طريق «سكة طنطا» ومنه إلى الطريق الدائرى، حتى مدخل قرية «الدواخلية»، الواقع على طريق المحلة الكبرى – قطور، لتفرغ حمولتها من الأكياس داخل مقلب القمامة العمومى، لتبدأ رحلتنا وتنتهى من وإلى مقلب قرية «الدخان».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.