مجلس النواب يوافق نهائيا على مشروع قانون تنظيم إصدار الفتوى الشرعية    رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذى للمرحلة الأولى من المبادرة الرئاسية "حياة كريمة"    نائب محافظ قنا: المركز التكنولوجي في صدارة مشروعات الدولة لتحقيق التحول الرقمي بكفاءة    يد ترامب فارغة!    رئيس الأعلى للإعلام يستقبل رئيسة الهيئة الوطنية للإذاعة والتلفزيون الصينية |صور    انطلاق معسكر الحكام المساعدين الواعدين بالإسكندرية    نيوكاسل يتقدم على تشيلسي في الشوط الأول    الأهلي في مفاوضات صعبة لتجديد عقد ربيعة وحمزة علاء    انطلاق معسكر الحكام المساعدين الواعدين بالإسكندرية    المشدد 15 عاما لفني صيانة ضرب زوجته حتى الموت في العبور    رئيس منطقة المنيا الأزهرية يشدد على ضرورة التزام الطلاب والعاملين باللوائح المنظمة للامتحانات    كشف ملابسات إستغاثة أحد الأشخاص لتعدى آخرين عليه بالقليوبية    "سيكو سيكو" يحقق مليون و300 ألف جنيه في ليلة واحدة    قبل انطلاقه.. تعرف على لجنة تحكيم مهرجان «SITFY-POLAND» للمونودراما    أجندة قصور الثقافة هذا الأسبوع.. عروض مسرحية مجانية وتكريم رموز القرى    «بيحبوا ريحتها وملمسها».. 4 أبراج تميل إلى شراء كتب لن تقرأها أبدًا    المطربة نعوم تستعد لطرح أغنية جديدة بعنوان "خانو العشرة"    طارق نور يشكر صناع دراما المتحدة: الأعمال على قدر كبير من الجودة والإبداع وتميزت بمخاطبة العقول    الأرصاد الجوية : درجة الحرارة " فى الظل " وصلت 40 درجة مئوية الساعة الواحدة ظهرا على القاهرة الكبرى    بينهم سيدة.. القبض على عصابة الزواج المزيفة بالقاهرة    أخبار «12x12»: «خناقة» بسبب قانون الإيجار القديم ومفاجأة عن طلاق بوسي شلبي    محافظ الشرقية يتابع تنفيذ مشروعات الإبراهيمية الخدمية والتنموية    إزالة 24 حالة تعدى على الأراضى الزراعية وأملاك الدولة بأسيوط    جدول امتحانات الصف السادس الابتدائي في القليوبية 2025    ضوابط تقويم أداء الموظفين في القانون    قبل انتهاء مدة البرلمان بشهرين.. مرفت عبد النعيم تؤدي اليمين الدستورية خلفًا للنائبة رقية الهلالي    نظام غذائي صحي للطلاب، يساعدهم على المذاكرة في الحر    ارتفاع كميات القمح المحلي الموردة للشون والصوامع بأسيوط إلى 89 ألف طن    وزير التعليم العالى يعلن رؤية الوزارة لإطلاق جيل جديد من الجامعات المتخصصة    اعرف ماركة الساعة التي ارتداها بابا الفاتيكان في أول قداس رسمي    الخارجية الهندية: معاهدة تقاسم مياه نهر السند لا تزال معلقة    محافظ بنى سويف يكرّم الشاب عبد الله محمد لطفى لإنقاذه مواطنًا من الغرق    القاهرة الإخبارية: الاحتلال الإسرائيلى يواصل قصف الأحياء السكنية فى غزة    لا يهم فهم الآخرين.. المهم أن تعرف نفسك    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي أم يجوزُ لي تأجيلُه؟ .. الأزهر للفتوى يجيب    وزير الخارجية والهجرة يستقبل رئيس المفاوضات الحكومية لإصلاح مجلس الأمن    محافظ الدقهلية يحيل مدير مستشفى التأمين الصحي بجديلة ونائبه للتحقيق    ماذا يحدث للشرايين والقلب في ارتفاع الحرارة وطرق الوقاية    النيابة تصرح بدفن جثة طالب أنهى حياته شنقا بسبب سوء معاملة أسرته في أبو النمرس    ضبط 575 سلعة منتهية الصلاحية خلال حملة تموينية ببورسعيد -صور    رئيس الوزراء يشارك في احتفالية "تكافل وكرامة" ويكرم عددا من شركاء النجاح.. صور    محافظ الدقهلية يتفقد مركز دكرنس ويحيل رئيس الوحدة المحلية بدموه للتحقيق    عاجل- البترول تعلن نتائج تحليل شكاوى البنزين: 5 عينات غير مطابقة وصرف تعويضات للمتضررين    «حماة الوطن» بسوهاج يفتتح 9 وحدات حزبية جديدة بقرى ومراكز المحافظة    استئناف المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين في جنيف    1500 فلسطيني فقدوا البصر و4000 مهددون بفقدانه جراء حرب غزة    لرغبتها في استمراره في أوربا .. زوجة كوتيسا تعرقل صفقة انضمامه للزمالك    «جوتيريش» يرحب باتفاق وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان    النسوية الإسلامية (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا): مكانة الأسرة.. فى الإسلام والمجتمع! "125"    ما حكم من نسي الفاتحة أثناء الصلاة وقرأها بعد السورة؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى يحذر من الحلف بالطلاق: اتقوا الله في النساء    حياة كريمة بالإسماعيلية.. الكشف على 528 مواطنا خلال قافلة طبية بالقصاصين    «التضامن» تقر تعديل وتوفيق أوضاع جمعيتين بمحافظة القاهرة    هل للعصر سنة؟.. داعية يفاجئ الجميع    رئيس وزراء كوريا الجنوبية السابق ينسحب من الترشح للرئاسة    جوميز عن تدريب الأهلي: كل شيء وارد في كرة القدم    الدوري الفرنسي.. مارسيليا وموناكو يتأهلان إلى دوري أبطال أوروبا    سامي قمصان يتحدث عن.. رحيل كولر.. المشاركة في كأس العالم للأندية.. وفرصة عماد النحاس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا والفأر فى مصيدة

حينما دخل الفأر حياتى كان كل شىء فى عالمى قد انقلب رأسا على عقب.
جاء الصيف غير مرحب به، زفرة من جهنم بها رطوبة وحر وزحام، خرجت جحافل المراهقين إلى المدينة، ولم يعد ممكنا أن أجد ركنا يخصنى ويحفظ لى عزلتى.. زحام كيوم الحشر، دخان سجائر وسباب قذر ومزاح فج واستخدام للأيدى والأقدام كوسيلة للتعبير عن الود، مستحيل أن تجد مراهقا لا يشتم أصدقاءه بشرف أمه، الصيف جنة المراهقين وجحيم الكبار.
لا أفهم على الإطلاق لماذا يأتى السيّاح لمصر!.. غبار يلاحقنى فى كل مكان، وحر رطب أخرج بسببه من جلدى، نفير سيارات يصم الآذان ودروب ضاقت بالبشر، وحتى العصافير تبدو منزعجة وكارهة للحياة.
أسير وسط الزحام بوجه متجهم وعينين منطفئتين، ترفع ملامحى يافطة كبيرة تؤكد للجميع أننى منزعج وتعيس.
هذا المساء حين تهيأت للنوم سمعت خربشة فى الغرفة المجاورة، أصغيت قليلا فتكرر الصوت.. فأر!!، هكذا سطع اليقين فى ذهنى فنهضت بسرعة وأغلقت الباب عليه لأحصره كيلا يتسلل إلى غرفة أخرى.
نهاية غير سعيدة ليوم غير سعيد، ماذا أفعل ولا خبرة لدى فى صيد الفئران، بطرف عينى أبصرته، كتلة من الشر والسواد- هكذا بدا لى وقتها- وفى لمحة بصر تسلل خلف المكتبة الجدارية.
طرقت على المكتبة بقبضتى، بطرف عصا خشبية غليظة، أطفأت النور وأضأته، صرخت كالهنود الحمر وأحدثت جلبة هائلة ليخرج من مكمنه، كنت أتظاهر بمطاردته والحقيقة أنه لو جلس فى منتصف الغرفة ينتظرنى وقد وضع (رجلا على رجل) لما عرفت كيف أتصرف معه، ليس من ضمن مواهبى صيد الفئران يا ناس، أنا ابن المدينة الذى لم يعش فى الريف قط.
الله يرحمك يا أمى، تداعت إلى ذهنى ذكرى قديمة مضحكة، تسلل فأر إلى مطبخها فاستعانت بجارها الشاب الذى حضر مرتديا قبعة بيضاء مستديرة وفانلة وشورت وحذاء رياضياً كأنه خارج للصيد فى رحلة سفاري، وعلى كتفه بندقية رش!.. أغلقت أمى باب المطبخ عليه فصرخ فى ذعر وقال متسائلا: بتقفلى الباب ليه يا تنت؟
ردت فى هدوء: عشان ما يهربش لباقى البيت.
بدا منطقها معقولا، ولذلك بلع ريقه وقال مستسلما: طيب
ووقفت أمى خارج الباب تسمع من آن لآخر صرخات حادة تشبه صرخات الهنود الحمر، وقفزات شديدة وصوت إطلاق نار، فى النهاية استدعت ابن البواب الذى دخل المطبخ وصرفه، لم تنقض إلا دقيقة واحدة هكذا حكت لى أمى ضاحكة فيما بعد- حتى خرج ابن البواب ممسكا بالفأر من ذيله فى هدوء والفأر تبدو عليه علامات الاستغراب!
العنيد ظل محتميا بمخبئه الآمن، سلطت كشافا قويا فى الفرجة المظلمة خلف المكتبة وأحدثت ضجة جهنمية وفتحت الشرفة متيحا له مخرجا آمنا، ولكن بلا فائدة.
المصيدة.. هذا هو الحل الوحيد، عمّرتها بقطعة جبن رومى نفاذة الرائحة، وقد تحرك فى قلبى شىء وأنا أضعها معدنية باردة غادرة، تحمل طعما فواحا وحتفا مؤكدا.
أطفأت النور وأغلقت الغرفة آملا أن أجده- فى الصباح التالى- حبيس المصيدة، حاولت النوم بلا فائدة، فى الظلام رحت أتصوره داخل المصيدة يحاول الفهم بلا فائدة، يحاول الهروب بلا فائدة، يشم الأركان، ينتقل من جانب إلى جانب باحثا عن مخرج، لم تعجبنى فكرة أن أنام فيما هو يتعذب، كنت أريد الخلاص منه دون أن أؤلمه لو كان هذا ممكنا!
طيلة الليل أغادر فراشى وأدخل الغرفة الموصدة لأتفقد المصيدة لكنه كان ماكرا ومتشبثا بالحياة.. فى الصباح التالى ظلت المصيدة عنوانا لفشلى وقوة إرادته رغم جوع يكابده الآن حتما، استشرت أصدقائى الريفيين.. الفئران بالنسبة إليهم من حقائق الحياة.. وصيدها يتم بالأيدى المجردة، والخوف منها رقاعة ومجلبة للسخرية.. فى كل الأحوال نصحونى بسم، الفئران، لم تعد المصيدة تخدع الفئران قط، للمرة الألف تفقدت الغرفة المظلمة ثم خلدت إلى النوم، لم يعد هناك ما يشغلنى سوى هذا الفأر، كل مشاكل العالم توارت وبدت بعيدة لا تنتمى إلى عالمى، حتى لم أعد أتصور كيف يحيا الناس دون فأر يطاردونه!
انزلقت إلى عالم النوم الساحر، وبدأت جفونى تثقل حينما سمعت صوت خرفشة خلف الستار، انتبهت حواسى كلها، تكرر الصوت فقمت مفزوعا وقد تبدت لى الحقيقة، الوغد فرّ إلى غرفتى أنا!
بسرعة أغلقت الباب وتكرر سيناريو المطاردة.. الليل بدا لا نهائيا كالحر والزحام، جلبت المصيدة إلى غرفتى، وتذكرت أن الفئران تكره البرد فأدرت جهاز التكييف، وبدأ جسدى يستسلم للنعاس، كنت منهكا لدرجة أننى لم أستطع سوى أن أجذب الغطاء على جسدى وأحاول النوم تاركا الفأر يلهو ويخربش ويتشاقى.
أنام وأصحو على صوت خربشة فأحملق فى الظلام، أيها التعس ما الذى جاء بك إلى هنا؟.. بالتأكيد أنت جائع وبردان، حزين مثلى، مرهق مثلى، تعبت من الحياة مثلى، الكون بكل رحابته لم يعد يتسع لى ولا لك، لذلك تجدنى لا أكرهك ولا أرغب فى إيذائك، حتى لو كنت فأرا قبيح الشكل فهذا ليس ذنبك، هكذا أنجبتك أمك وكانت مشيئة خالقك، لطالما احترمت حق المخلوقات فى الحياة، ليتك تتسلل فى سلام.
أنام وأصحو، الفجر ينبثق والأذان يرتفع، لن أستطيع أن أزعم لنفسى أننى لم أسمعه، أقوم للصلاة ملقيا نظرة على المصيدة الخاوية فى راحة يخالطها أسف، جزء منى يتمنى الخلاص منك، وجزء يتمنى لك السلامة، لماذا تحرص على الحياة إلى هذا الحد؟ هل هى جميلة فى عينيك؟ هل وقعت فى حب فأرة لطيفة تحزن لغيابك؟.
الغرفة باردة كثلاجة، ضوء الصباح يتسلل رائقا وبريئا وكأن مطاردة مخيفة لا تجرى فى أرجاء البيت الصامت منذ يومين، مطاردة توشك أن تزهق نفسا تريد الحياة كما تحرص عليها كل نفس.
النهاية جاءت مباغتة، انتهيت من الصلاة وعدت لغرفتى فوجدته حبيس المصيدة، قطعة الجبن الرومى اختفت، ولعله كان يفهم الأمر على حقيقته، ويعلم أن تلك القطعة من الجبن هى طريقه للموت، لكن الجوع أفقده إرادته، وربما سأم حياة المطاردة، تعب من الحياة كلها وبدا له الموت مريحا مُرحّبا به.
رحت أتأمله، مستسلما، أسود اللون، حزين العينين، تعيسا بائسا، معدوم الحيلة، يمد بوزه الطويل متشمما القفص، ويدور فى يأس حول نفسه، يحرك يده الرقيقة، يتطلع إلى أعلى.
وكانت النهاية أننى كنت أحمله فى المصيدة، فى طريقى إلى باب المنزل لأتخلص منه، وجزء داخلى يعلم أننى مثله، محبوس فى مصيدة اسمها »الحياة فى مصر«.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.