عاجل- توقعات أسعار الذهب بعد القفزة التاريخية.. هل يواصل المعدن النفيس الصعود؟    موعد إلغاء التوقيت الصيفي والعودة إلى التوقيت الشتوي    ماجد عبد الفتاح: اعترافات الدول الكبرى بالدولة الفلسطينية يعزز موقف الشعب الفلسطيني    واشنطن تدرس فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية.. تفاصيل    عاجل- بالبث المباشر حفل الكرة الذهبية 2025.. تعرف على ترتيب محمد صلاح    السكة الحديد تعلن تشغيل خدمات جديدة لجمهور الركاب بالوجه القبلي    نيكول سابا تحصد جائزة أفضل ممثلة لبنانية في الدراما المصرية 2025 من "موريكس دور" في يوبيله الفضي    كرارة يغير جلده الفني بمسلسل رعب جديد ويكشف موقفه من دراما رمضان 2026    تعرف على مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 22سبتمبر 2025    من هم ال70 ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب؟ الشيخ رمضان عبد المعز يوضح    احتفالية كبرى بقرية سنبو لتكريم حفظة القرآن.. وتكريم خاص لأصغر حافظ عربي    مؤتمر "حياة المرأة هي التزامنا" يناقش صحة المرأة ويدعو للابتكار في أمراض النساء    برشلونة يعلن إصابة فيرمين لوبيز ويحدد مدة غيابه    رئيس جامعة بنها يتفقد سير العملية التعليمية بكلية علوم الرياضة    رئيس مياه الأقصر يتفقد محطة معالجة الدبابية ويتابع شبكات الصرف الصحي في المساوية    يونيسف: مقتل 11 طفلا في غارة بطائرة مسيرة على مسجد بالفاشر السودانية    هل يغتنم الفلسطينيون فرصة «حل الدولتين»؟    الثقة    أحمد السيد: عماد النحاس الأنسب للأهلي بالفترة الحالية.. والقمة لا تخضع لأي حسابات    حيرة فى الأهلى بسبب المدرب الأجنبى    محافظ كفر الشيخ يستقبل نائب وزير الصحة لتنمية الأسرة لمتابعة تنفيذ المبادرة الرئاسية    في لقاء حصري... عمرو سليمان يتحدث عن مستقبل الاستثمار العقاري في مصر    انتخاب هيئة الدواء نائبًا لرئيس اللجنة التوجيهية لبرنامج تابع لوكالة الاتحاد الأفريقى للتنمية    أول رد من أرملة إبراهيم شيكا على رغبة وفاء عامر في استرداد شقتها    الداخلية تكشف ملابسات فيديو تعاطي المخدرات أسفل أحد العقارات بالقاهرة    بحضور وكيل الأزهر والمفتي ووزير الأوقاف.. نقابة الأشراف تُحيي ذكرى المولد النبوي    حفل استقبال الطلاب الجدد بكلية العلوم جامعة الفيوم.. صور    الحبس 6 أشهر لصانعة المحتوى أم سجدة في اتهامها بالاعتداء على القيم والمبادئ الأسرية    المدينة التي يجتاحها جيش الاحتلال.. إطلاق صاروخ من غزة صوب مستوطنة ناحل عوز    وسط فرحة الطلاب.. محافظ المنوفية يفتتح مدرستين ببروى وبكفر القلشى للتعليم الأساسي    ضبط 13 مليون جنيه حصيلة الإتجار غير المشروع في النقد الأجنبي    الرئيس السيسي يقرر العفو عن علاء عبد الفتاح و5 آخرين    عبد الله السعيد: أتمنى تتويج منتخب مصر بكأس الأمم وجاهز للعودة إذا طُلب مني    قبل 24 ساعة من اللقاء... أزمة في بث مباراة أهلي جدة وبيراميدز فضائيا    طقس الإسكندرية اليوم.. أجواء معتدلة ودرجات الحرارة العظمى تسجل 30 درجة مئوية    ضبط 6 آلاف علبة جبنة فاسدة داخل مخزن خلال حملة تموينية في الأقصر    إنجاز جديد لجامعة بنها بمؤشر نيتشر للأبحاث العلمية Nature Index    عاجل- قراران جمهوريان بإنشاء منطقة جرجوب الاقتصادية وتخصيص أراضٍ للتنمية الصناعية    اللجنة المصرية لإغاثة أهالي غزة تتوصل لطفلي طريق الرشيد بغزة.. ووالدتهما: بشكر الرئيس السيسي    ب "التايجر".. ريم سامي تخطف الأنظار بإطلالة أنيقة    متحدث فتح للقاهرة الإخبارية: الاعتراف بالدولة الفلسطينية لحظة تاريخية فارقة    هينسحبوا تمامًا.. 3 أبراج لا تقبل العلاقات السامة «التوكسيك»    "الغردقة لسينما الشباب" يكشف عن لجان تحكيمه .. وداود رئيسا لمسابقة الأفلام الطويلة    "البحوث الزراعية" ينظم المنتدى العلمي الأول حول تطبيقات الإدارة المتكاملة    بالصور - محافظ أسوان يتفقد 1540 مدرسة استعدادًا للعام الدراسي    رابط التقديم على وظائف بنك مصر 2025 لخدمة العملاء.. متاح الآن بدون خبرة    "طلاب من أجل مصر" ترحب بدفعة طب الجديدة بجامعة بورسعيد الأهلية (صور)    عميد معهد الفراعنة: اكتشفنا واقعة انتحال صفة رمضان صبحى بالامتحانات صدفة    مصرع فتاة وإصابة 6 في تصادم ميكروباصين بطريق العوايد بالإسكندرية    رئيس جامعة القاهرة يتلقى تقريرا عن مؤشرات الأداء بمستشفيات قصر العيني    وزارة الصحة: تقديم 17 ألف خدمة طبية في طب نفس المسنين    تحذير من أدوية البرد للأطفال دون وصفة طبية    أكثر اللاعبين حصدا للكرة الذهبية عبر التاريخ    موعد أذان الظهر ليوم الإثنين ودعاء النبي عند ختم الصلاة    وزير الخارجية والهجرة يلتقي نظيره الكويتي في نيويورك    الدوري المصري بشكل حصري على "أبليكشن ON APP".. تعرف على طريقة تحميل التطبيق    بعد الظهور الأول لهما.. ماذا قال ترامب عن لقائه ب ماسك؟    أحمد العوضي: لو هتجوز مش هقول.. ومشغول بمسلسل «علي كلاي» لرمضان 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا والفأر فى مصيدة
نشر في المصري اليوم يوم 30 - 07 - 2010

حينما دخل الفأر حياتى كان كل شىء فى عالمى قد انقلب رأسا على عقب.
جاء الصيف غير مرحب به، زفرة من جهنم بها رطوبة وحر وزحام، خرجت جحافل المراهقين إلى المدينة، ولم يعد ممكنا أن أجد ركنا يخصنى ويحفظ لى عزلتى.. زحام كيوم الحشر، دخان سجائر وسباب قذر ومزاح فج واستخدام للأيدى والأقدام كوسيلة للتعبير عن الود، مستحيل أن تجد مراهقا لا يشتم أصدقاءه بشرف أمه، الصيف جنة المراهقين وجحيم الكبار.
لا أفهم على الإطلاق لماذا يأتى السيّاح لمصر!.. غبار يلاحقنى فى كل مكان، وحر رطب أخرج بسببه من جلدى، نفير سيارات يصم الآذان ودروب ضاقت بالبشر، وحتى العصافير تبدو منزعجة وكارهة للحياة.
أسير وسط الزحام بوجه متجهم وعينين منطفئتين، ترفع ملامحى يافطة كبيرة تؤكد للجميع أننى منزعج وتعيس.
هذا المساء حين تهيأت للنوم سمعت خربشة فى الغرفة المجاورة، أصغيت قليلا فتكرر الصوت.. فأر!!، هكذا سطع اليقين فى ذهنى فنهضت بسرعة وأغلقت الباب عليه لأحصره كيلا يتسلل إلى غرفة أخرى.
نهاية غير سعيدة ليوم غير سعيد، ماذا أفعل ولا خبرة لدى فى صيد الفئران، بطرف عينى أبصرته، كتلة من الشر والسواد- هكذا بدا لى وقتها- وفى لمحة بصر تسلل خلف المكتبة الجدارية.
طرقت على المكتبة بقبضتى، بطرف عصا خشبية غليظة، أطفأت النور وأضأته، صرخت كالهنود الحمر وأحدثت جلبة هائلة ليخرج من مكمنه، كنت أتظاهر بمطاردته والحقيقة أنه لو جلس فى منتصف الغرفة ينتظرنى وقد وضع (رجلا على رجل) لما عرفت كيف أتصرف معه، ليس من ضمن مواهبى صيد الفئران يا ناس، أنا ابن المدينة الذى لم يعش فى الريف قط.
الله يرحمك يا أمى، تداعت إلى ذهنى ذكرى قديمة مضحكة، تسلل فأر إلى مطبخها فاستعانت بجارها الشاب الذى حضر مرتديا قبعة بيضاء مستديرة وفانلة وشورت وحذاء رياضياً كأنه خارج للصيد فى رحلة سفاري، وعلى كتفه بندقية رش!.. أغلقت أمى باب المطبخ عليه فصرخ فى ذعر وقال متسائلا: بتقفلى الباب ليه يا تنت؟
ردت فى هدوء: عشان ما يهربش لباقى البيت.
بدا منطقها معقولا، ولذلك بلع ريقه وقال مستسلما: طيب
ووقفت أمى خارج الباب تسمع من آن لآخر صرخات حادة تشبه صرخات الهنود الحمر، وقفزات شديدة وصوت إطلاق نار، فى النهاية استدعت ابن البواب الذى دخل المطبخ وصرفه، لم تنقض إلا دقيقة واحدة هكذا حكت لى أمى ضاحكة فيما بعد- حتى خرج ابن البواب ممسكا بالفأر من ذيله فى هدوء والفأر تبدو عليه علامات الاستغراب!
العنيد ظل محتميا بمخبئه الآمن، سلطت كشافا قويا فى الفرجة المظلمة خلف المكتبة وأحدثت ضجة جهنمية وفتحت الشرفة متيحا له مخرجا آمنا، ولكن بلا فائدة.
المصيدة.. هذا هو الحل الوحيد، عمّرتها بقطعة جبن رومى نفاذة الرائحة، وقد تحرك فى قلبى شىء وأنا أضعها معدنية باردة غادرة، تحمل طعما فواحا وحتفا مؤكدا.
أطفأت النور وأغلقت الغرفة آملا أن أجده- فى الصباح التالى- حبيس المصيدة، حاولت النوم بلا فائدة، فى الظلام رحت أتصوره داخل المصيدة يحاول الفهم بلا فائدة، يحاول الهروب بلا فائدة، يشم الأركان، ينتقل من جانب إلى جانب باحثا عن مخرج، لم تعجبنى فكرة أن أنام فيما هو يتعذب، كنت أريد الخلاص منه دون أن أؤلمه لو كان هذا ممكنا!
طيلة الليل أغادر فراشى وأدخل الغرفة الموصدة لأتفقد المصيدة لكنه كان ماكرا ومتشبثا بالحياة.. فى الصباح التالى ظلت المصيدة عنوانا لفشلى وقوة إرادته رغم جوع يكابده الآن حتما، استشرت أصدقائى الريفيين.. الفئران بالنسبة إليهم من حقائق الحياة.. وصيدها يتم بالأيدى المجردة، والخوف منها رقاعة ومجلبة للسخرية.. فى كل الأحوال نصحونى بسم، الفئران، لم تعد المصيدة تخدع الفئران قط، للمرة الألف تفقدت الغرفة المظلمة ثم خلدت إلى النوم، لم يعد هناك ما يشغلنى سوى هذا الفأر، كل مشاكل العالم توارت وبدت بعيدة لا تنتمى إلى عالمى، حتى لم أعد أتصور كيف يحيا الناس دون فأر يطاردونه!
انزلقت إلى عالم النوم الساحر، وبدأت جفونى تثقل حينما سمعت صوت خرفشة خلف الستار، انتبهت حواسى كلها، تكرر الصوت فقمت مفزوعا وقد تبدت لى الحقيقة، الوغد فرّ إلى غرفتى أنا!
بسرعة أغلقت الباب وتكرر سيناريو المطاردة.. الليل بدا لا نهائيا كالحر والزحام، جلبت المصيدة إلى غرفتى، وتذكرت أن الفئران تكره البرد فأدرت جهاز التكييف، وبدأ جسدى يستسلم للنعاس، كنت منهكا لدرجة أننى لم أستطع سوى أن أجذب الغطاء على جسدى وأحاول النوم تاركا الفأر يلهو ويخربش ويتشاقى.
أنام وأصحو على صوت خربشة فأحملق فى الظلام، أيها التعس ما الذى جاء بك إلى هنا؟.. بالتأكيد أنت جائع وبردان، حزين مثلى، مرهق مثلى، تعبت من الحياة مثلى، الكون بكل رحابته لم يعد يتسع لى ولا لك، لذلك تجدنى لا أكرهك ولا أرغب فى إيذائك، حتى لو كنت فأرا قبيح الشكل فهذا ليس ذنبك، هكذا أنجبتك أمك وكانت مشيئة خالقك، لطالما احترمت حق المخلوقات فى الحياة، ليتك تتسلل فى سلام.
أنام وأصحو، الفجر ينبثق والأذان يرتفع، لن أستطيع أن أزعم لنفسى أننى لم أسمعه، أقوم للصلاة ملقيا نظرة على المصيدة الخاوية فى راحة يخالطها أسف، جزء منى يتمنى الخلاص منك، وجزء يتمنى لك السلامة، لماذا تحرص على الحياة إلى هذا الحد؟ هل هى جميلة فى عينيك؟ هل وقعت فى حب فأرة لطيفة تحزن لغيابك؟.
الغرفة باردة كثلاجة، ضوء الصباح يتسلل رائقا وبريئا وكأن مطاردة مخيفة لا تجرى فى أرجاء البيت الصامت منذ يومين، مطاردة توشك أن تزهق نفسا تريد الحياة كما تحرص عليها كل نفس.
النهاية جاءت مباغتة، انتهيت من الصلاة وعدت لغرفتى فوجدته حبيس المصيدة، قطعة الجبن الرومى اختفت، ولعله كان يفهم الأمر على حقيقته، ويعلم أن تلك القطعة من الجبن هى طريقه للموت، لكن الجوع أفقده إرادته، وربما سأم حياة المطاردة، تعب من الحياة كلها وبدا له الموت مريحا مُرحّبا به.
رحت أتأمله، مستسلما، أسود اللون، حزين العينين، تعيسا بائسا، معدوم الحيلة، يمد بوزه الطويل متشمما القفص، ويدور فى يأس حول نفسه، يحرك يده الرقيقة، يتطلع إلى أعلى.
وكانت النهاية أننى كنت أحمله فى المصيدة، فى طريقى إلى باب المنزل لأتخلص منه، وجزء داخلى يعلم أننى مثله، محبوس فى مصيدة اسمها »الحياة فى مصر«.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.