أظن أن الكوميديا المصرية مدينة بالكثير لاثنين من أهم وأجمل أولادها الآن.. أحمد مكى وأحمد حلمى.. فالاثنان انتقلا بالضحك المصرى الجماعى إلى آفاق أكثر عمقاً ورحابة.. ولكننى الآن أتوقف عند أحمد مكى بالتحديد وفيلمه الجديد.. لا تراجع ولا استسلام.. ليس لاستعراض حكاية الفيلم ومناقشته والإشادة بصديق عزيز وحقيقى واستثنائى.. وإنما لأن مكى فى هذا الفيلم أحال عبارة.. لا تراجع ولا استسلام.. من مفردات توحى بالقوة والتحدى والكبرياء والمواجهة.. إلى شعار كوميدى زاعق للتراجع الفعلى والاستسلام الحقيقى والكامل.. فلم يعد الأمر مجرد عنوان فيلم كوميدى جديد.. لكنه بات عنوان حياتنا وواقعنا، سواء داخل ملاعب الكرة أو خارجها.. وللناس فى بلادنا العذر إن لم يعودوا يصدقون شيئا مما يجرى أمامهم.. أو حين يضحكون كلما رأوا أمامهم أى أحد وقد تقمص شخصية يوسف بك وهبى واقفا وزاعقا بأنه أبدا لن يتراجع ولن يستسلم.. وسرعان ما تمضى الأيام، فإذا بكل هؤلاء قد تراجعوا واستسلموا.. ولعل الكثيرين لم ينسوا حتى الآن مشاهد غاضبة وعاصفة جرت عند انطلاق الموسم الكروى الماضى، كان فيها مسؤولو الأندية بقيادة الأهلى والزمالك والإسماعيلى والاتحاد والمصرى.. اشتبكوا مع اتحاد الكرة والتليفزيون والفضائيات واتحاد الكرة، لأنهم أرادوا بيع الدورى المصرى لأعلى سعر، ولأنهم قالوا وصدقناهم إنه انتهى وإلى الأبد زمن التفريط فى الحقوق.. وأن أنديتهم لن تستسلم بعد الآن لأى قوى أو كيان أو سلطة.. وتوالت الخطب العنترية والصرخات والتهديدات والتأكيدات بأنه.. لا تراجع ولا استسلام.. فماذا جرى بعد انتهاء الموسم.. هذه الأندية لم تتراجع وتستسلم فقط لاتحاد الكرة.. إنما انسحقت تماما لدرجة أنها لم تنل حتى الآن حقوقها من البث التليفزيونى لمباريات الموسم الذى انتهى.. الأندية التى كانت غاضبة وساخطة رضخت وباعت وأسلمت الأمر لاتحاد الكرة.. والاتحاد باع بالفعل للتليفزيون ولأكثر من قناة فضائية.. وانتهى الموسم.. دفع التليفزيون والفضائيات ثمن ما اشتروه وقبض اتحاد الكرة هذه الملايين، لكنه رفض أن يعطيها للأندية صاحبة الحقوق.. فاتحاد الكرة أنفق ما يزيد على اثنى عشر مليون جنيه مكافآت للاعبى المنتخب وجهازهم الفنى عقب بطولة أمم أنجولا. . ورأى مسؤولو الاتحاد أن النجوم ومدربيهم أولى وأحق من أندية الدورى الممتاز.. فضاعت حقوق الأندية وتفرقت أموالها فى جيوب اللاعبين والمسؤولين والأندية ساكتة وراضية.. لا أحد فيها يغضب لنفسه أو بالنيابة عن الآخرين.. لا أحد يطالب بحقوق ضائعة أو مسروقة.. لا أحد حتى يتذكر مسؤولى هذه الأندية وهم على خشبة مسرح كوميديا حياتنا يعلنون لا تراجع ولا استسلام.. ولست أعرف ولا أفهم سر هذا التعتيم الإعلامى على هذه القضية.. ولمصلحة من هذا السكوت.. هل الأهلى لا يحتاج للمال، فقرر أن يسكت مفضلا الوفاق مع الجبلاية باعتبار «الصلح خير» والسلام أهم وأبقى من المال الزائل.. هل الزمالك اكتشف أن أحد عشاقه مات فى البرازيل مؤخرا، تاركا ميراثا هائلا فنسى المطالبة بحقوقه فى الجبلاية.. والإسماعيلى الذى يبيع أجمل أولاده لأنه لا يملك قوت يومه.. والاتحاد السكندرى الذى لا يدفع رواتب موظفيه وبقية عقود لاعبيه.. أظن أن هذه الكوميديا أجمل من أفلام السينما الضاحكة حتى لو قام ببطولتها أحمد مكى وأحمد حلمى معاً. [email protected]