«أغلب المصريين لايزالون فقراء على الرغم من التصريحات الحكومية»، هذا ما أكدته مجلة إيكونوميست فى تقريرها الخاص عن مصر، لافتة إلى أنه فى الوقت الذى تؤكد فيه الحكومة أن ما يقل عن خمس سكانها فقط تقل دخولهم عن 2 دولار فى اليوم (خط الفقر)، إلا أن قبول غالبية المصريين بأعمال لا تزيد أجورها على 200 دولار (1100 جنيه) بل واعتبار هذا الأجر مناسباً للكثير من المصريين، فالمدرس الجديد والمجند فى الشرطة يحصلان على ما هو أقل كثيراً من هذا المبلغ. وعلى الرغم من أن الحكومة تدعى أن هناك تراجعاً فى مستوى البطالة لتصل إلى 9% فقط، فإن العمال الذين يعانون البطالة ويظهرون فى الشوارع، فضلاً عن الاضطرابات العمالية وغيرها، يرجحون ارتفاع النسبة عن التقديرات الرسمية، كما أن ثلث النساء فى السن الملائمة للعمل يعمل فقط. ويمكن للمرء أن ينسى أنه يعيش فى مصر إذا ما خرج إلى الضواحى القريبة للعاصمة، فهناك يجد منتجعات سكنية تحمل أسماء أجنبية مثل «دريم لاند» و«بيفرلى هيلز» و«ماى فير» وتظهر الفيلات الفخمة والمكاتب الزجاجية والمحال الكبيرة والفخمة والمستشفيات والعيادات الخاصة الكبيرة والملاعب الخضراء الشاسعة. ويظهر الفارق واضحاً بين مستوى الرضا الذى يبديه الخمس الأغنى من الناس فى مصر عن مستوى معيشتهم مقارنة بالخمس الأفقر، ف82% من الخمس الأول يبدون رضاهم عن مستوى معيشتهم، وهو ما يبديه 29% فقط من الخمس الأفقر، خاصة أن حياة الأغنياء فى مصر أسهل كثيراً منها بالنسبة للأغنياء فى الخارج لرخص أسعار الطعام وتأجير السائقين. وعلى الرغم من أن الاحصائيات تظهر مصر كبلد زراعى، فإن هذا يرجع لأن بعض القرى التى يزيد تعداد سكانها على 100 ألف نسمة لاتزال الحكومة تعتبرها قرى وليست مدناً، غير أن الواقع يشير إلى أن غالبية المصريين، حوال أربع أخماسهم، يعيشون فى شقق وليس فى منازل، حيث إن غالبية هذه الشقق ضيقة، حتى إن إحصائية رسمية للسكان عام 2007 أكدت أن عدد الحجرات فى مصر يقل عن عدد قاطنيها، حتى إن الكثير منهم يضطر لتبادل النوم على الأسرة. وعلى الرغم من أن غالبية المصريين ينعمون بالكهرباء والماء، فإنه، وبعيداً عن المدن، فإن الكهرباء تواصل الانقطاع، كما أن 85% من المصريين ليس لديهم وسيلة ملائمة للتخلص من القمامة مما يدفعهم لحرقها أو التخلص منها بإلقائها على جوانب الطرق، أو يستخدمونها فى إطعام الماشية والدجاج. ويعترف الاقتصاديون الموالون للدولة المصرية بأنه فى الوقت الذى يزداد فيه الأغنياء ثراء، وتنمو الطبقة المتوسطة بشكل محدود فى مصر، فإن غالبية المصريين يبقون فى صراع من أجل البقاء فى ظل معدلات التضخم التى تفوق المعدلات فى بقية الدول المقاربة للحالة الاقتصادية المصرية، وهو ما يبرر اشتعال عدد كبير للغاية من الاضطرابات بين العمال والأطباء والمدرسين، وهدفهم جميعا واحد: النقود، كما أن الكثير من المصريين أصبحوا يقبلون على الانضمام للحركات السياسية وهدفهم فى ذلك إبلاغ الحكومة بأنهم أصبحوا عاجزين عن الصبر. ولاشك أن وجود شبكة واسعة من أعمال الخير والتبرعات بين المصريين يساهم فى استقرار الأوضاع فيها، خاصة أنها تسهم بوضوح فى انخفاض معدلات الجريمة، حيث يشعر الفقراء بأنه بوسعهم أن يبقوا فى منازلهم ويحصلوا على الحد الأدنى الذى يسمح لهم بالبقاء. وعلى الرغم من أن الصحافة الخاصة فى مصر يمكن أن تخضع لبعض الضغوط الحكومية، فإن غالبية قراء ومتابعى الإعلام أصبحوا يفضلون الإعلام المستقل الآن عن نظيره الحكومى، حتى يمكن القول إن وسائل الإعلام الجديدة، التى لم تكن موجودة منذ 10 سنوات أصبحت تضع أجندة المجتمع المصرى. وتستخدم الدولة المصرية جناحين أساسيين فى الحكم، الأول هو أجهزة الأمن التى يبلغ عدد أعضائها 3 ملايين شخص، الذين يستخدمون قانون الطوارئ لاعتقال الخصوم السياسيين للنظام، الذى تم تجديده مؤخراً مع التعهد بعدم استخدامه إلا فى حالات الإرهاب والمخدرات. أما الجناح الآخر فهو الحزب الوطنى الذى يحتوى على بعض المثاليين الذين يسعون لإصلاح الأعضاء بعضويتهم فى الحزب الحاكم، إلا أن به انتهازيين أيضاً ومن بينهم مليونيرات يزيدون ثراء من خلال حصولهم على قروض من البنوك المصرية الحكومية دون تقديم الضمانات اللازمة. وتختتم المجلة تقريرها بالقول «يتناقل الكثير من المصريين مقولة سعد زغلول تعليقاً على صراعه مع المرض (مفيش فايدة) بوصفها عبارة سياسية، ليبدو أن هذه المقولة باتت تعبيراً عن الوضع فى مصر».