لم أخجل أبداً من الاعتراف طول الوقت بأننى لست خبيرا فى فنيات كرة القدم ولست قادراً على تحليل مبارياتها وكشف أسرار المدربين وخططهم واللاعبين وتحركاتهم.. ولهذا احترمت القارئ ونفسى طول الوقت، فلم يستهونى مطلقاً أن أكتب عما قد يكون القارئ أكثر منى علماً ودراية به ومعرفة وفهماً له.. وبدلاً من ذلك قضيت سنين أطارد الوجه السياسى والاقتصادى والاجتماعى والإنسانى لكرة القدم.. قرأت وتابعت وسافرت وسألت وتمهلت وتأملت وعرفت القليل الذى كان ضروريا ولازما للكتابة عن الكرة فى زماننا.. ولهذا أترك لأساتذتى وزملائى مهمة توقع ما سيجرى غداً فى نهائى كأس العالم بين الإسبان والهولنديين.. وأكتفى بالكتابة عن الكرة والعالم.. بعد كأس العالم.. أتنبأ بواقع جديد سنعيشه كلنا عقب هذا المونديال، الذى سيصبح آخر مونديال يشاهده العالم بهذه القوانين والقواعد القديمة.. فالمونديال الأفريقى الأول سيصبح تاريخياً هو الأخير فى العالم لأنه بعد أربع سنوات فى البرازيل سنشاهد مونديالاً يختلف فى كل شىء.. لن يبقى بلاتر ورفاقه فى دهاليز الفيفا السرية أحرارا فى إدارة شؤون الكرة وفق حسابات الهوى والمصالح.. فالإعلام توحش وبات قادراً على فتح كل الأبواب والتقليب فى كل الملفات.. إعلام من الصعب إرضائه أو خداعه أو رشوته أو حتى التأثير عليه.. وعدد الصحفيين الذين قالوا لا لبلاتر والفيفا أثناء أيام المونديال الحالى.. يفوق ضعف الذين عارضوا الفيفا فى كل المونديالات السابقة مجتمعة.. وبالتأكيد لن تبقى قواعد وحسابات الرعاة والمعلنين كما هى الآن.. لن نجد شركة كبرى مستقبلا تدفع للبعض فى الفيفا لتنال حرية مطلقة فى حروبها ضد الشركات الأخرى.. الحقوق التليفزيونية سيعاد مراجعة بنودها وتفاصيلها لأنه لم يعد هناك من سيلتزم الصمت.. ربما يكون المصريون والعرب هم آخر من سيتكلم.. لكنهم قطعا سيتكلمون.. فلا أحد فى عالم المستقبل سيقبل أن يقال له هذه قواعد الفيفا أو حقوق الرعاية أو عقود التسويق ويسكت دون مناقشة ومراجعة وتساؤلات لا أول لها ولا آخر.. وأمام الغضب الحكومى الإنجليزى وتهديداته التى أبانت أن إنجلترا لاتزال تملك حقوقا تاريخية فى إدارة شؤون اللعبة التى علمتها للعالم.. اضطر بلاتر للتراجع عن كل مواقفه السابقة والسماح بإدخال كاميرات التليفزيون لملاعب الكرة لتشارك طاقم التحكيم قراراته.. صحيح أن بلاتر وافق فقط على وجود الكاميرا على خط المرمى لتوضيح هل عبرت الكرة الخط أم لا.. لكنها مجرد بداية وسنصل إلى البرازيل وقد أصبحت الكلمة للكاميرا وليس للحكم أو الجمهور واستوديوهات التحليل.. وإذا كان بلاتر ورفاقه قد حاولوا استباق الثورات المقبلة والعاصفة فقرروا بيع مونديالى 2018 و2022 دفعة واحدة وقبض الثمن والعمولة وتسلم الهدايا والمزايا مبكراً قبل رحيلهم.. فلن يحدث ذلك مستقبلا.. وحتى استضافة المونديال نفسه بداية من البرازيل ستتغير كل قواعدها.. وبدأ الرئيس البرازيلى لولا دى سيلفا وأعلن ذلك قبل يومين فقط، مؤكداً أن ما جرى فى جنوب أفريقيا أبداً لن يتكرر فى البرازيل.. والإضافة الأهم هى دخول الولاياتالمتحدة كقوة عظمى ووحيدة انتبهت إلى أنه لم يعد لائقاً ألا تفرض سيطرتها على الفيفا.. وانطلقت فى واشنطن ونيويورك دعاوى كثيرة وجادة لإعادة تنظيم اللعبة التى كانت ملكاً للناس وبلاتر.. وغداً لن يكون هناك بلاتر.. ولا الناس أيضاً.