لست من هؤلاء المولعين بتنصيب أنفسهم قضاة طول الوقت.. فى أى مكان ومجال يحكمون على الناس ويمنحونهم درجات تقويم وشهادات تقدير أو أحكام إدانة.. ولا أملك من المؤهلات الفنية والخبرات الخاصة بقواعد وأسرار كرة القدم ما يجعلنى قادرا على تقييم فنى دقيق لأى مدرب وإعلان نجاحه أو فشله.. وإنما أستند إلى نتائج مؤكدة وواقع معلن وتفاصيل كثيرة أجمعها وشهادات آخرين أثق فى أحكامهم وعدالتهم وموضوعيتهم.. وبكل ذلك أؤكد بصدق واقتناع نجاح طارق يحيى فى مهمته مع الإنتاج الحربى.. فقد بدأ طارق يقود هذا الفريق بعد التأهل للممتاز.. استبعد لاعبين واستقدم آخرين ونجح كقائد ومدرب فى خلق تناغم وانسجام يحتاجهما أى فريق كان كمركب صغير قليل الحيلة ألقوا به فجأة وسط بحر صاخب وهائج.. وبالفعل قاد طارق الإنتاج الحربى فى أول موسم له مع الكبار للمركز السابع، متقدما على أندية أقدم وأكبر وأشهر والمفترض أنها أقوى.. ثم عاد طارق ليفاجئ الجميع بقيادته الإنتاج الحربى للدور قبل النهائى لكأس مصر.. وهذا فى حد ذاته دليل نجاح وإشارة واضحة إلى أنه من الضرورى التعامل مع طارق يحيى بما يليق من تقدير واحترام.. صحيح أنه ليس من المدربين الذين يجيدون فن الإعلام والعلاقات العامة وعلى الأرجح لن يكون أبدا.. لكن هذه مشكلة يسهل تجاوزها ونسيانها.. المشكلة الأكبر هى قناعة طارق الداخلية بأنه بلغ آخر حدوده لدرجة أنه بات متقبلا لفكرة الخسارة أمام الأهلى غدا فى الدور قبل النهائى للكأس باعتبارها أمرا طبيعيا ومنطقيا لا يستدعى الحزن أو الانزعاج.. وقد تعلمت من مدربين كبار أنه حين يبدأ الواحد منهم أى مباراة وهو متقبل لفكرة الخسارة ومستعد لها وتبريرها لنفسه وللناس.. يخسر هذه المباراة بالفعل.. ورغما عنى عقدت مقارنة بين طارق يحيى وهو يواصل استعداده للقاء الأهلى وبين كابيللو، مدرب المنتخب الإنجليزى، وهو يواصل استعداده لنهائيات كأس العالم.. كابيللو أعلن فى كل مكان أنه ذاهب ليفوز بالكأس.. قالها وهو يحترم جدا بقية فرق المونديال.. وحين سأله صحفى مشاغب بجريدة الديلى تليجراف.. قال الإيطالى العجوز والقدير.. إنه لابد أن يغرس هذا الحلم تحت جلد لاعبيه قبل أن يسافروا وقبل أن يلعبوا.. من أجل أن يلعبوا وأن يفوزوا بالفعل.. وهو ما لم يقم به طارق يحيى على الإطلاق.. بل تطوع ومنح نفسه ولاعبيه والمسؤولين عن النادى تصريحا مسبقا وإذنا بالخسارة.. وهى ليست مشكلة طارق يحيى وحده.. مصريون كثيرون.. مدربون ولاعبون داخل الملاعب.. أو فى كل مكان ومجال.. يعتقدون أن الطموح أمر مكروه.. يتخيلون أن الذى يريد أكثر مما هو فيه أو يملكه.. إنسان طامع والطمع خطيئة وإثم.. يكتفون بالجلوس عند سفح الجبل، خشية محاولة الصعود للقمة والسقوط من فوقها.. فيبقون طول الوقت عند السفح ينتظرون ويشكون ويحلمون فقط.. ونصف المباريات التى يفوز بها الأهلى والزمالك يكون السبب هو عدم تصور مدربين كثيرين أنه باستطاعتهم الفوز على الكبار.. وطارق واحد منهم.. اكتفى بفرحته بما حققه ولم يعد طامعا فى كأس مصر مع الإنتاج.. وإنما بدأ من جديد يفكر فى المركز السابع ولكن مع المقاصة فى الموسم الجديد. [email protected]