الآن َيكتملُ الزمانُ، ويلتقى طَرَفُ البداية بالنهاية. الآنَ تكتمل الحكاية. ويُعادُ تَرتيبُ الفراشُ، فقد مضى زمنٌ، وبعد هُنَيْهةٍ سنخوضُ فى زمنٍ نفتشُ فيه عن هدفٍ وغاية. الآنَ تتسعُ الثقوبُ، ويسقطُ الماضى ترابا ناعما، لا أستعيدُ ضياءَهُ الوانى، ويهربُ ملمسُ الأشياء من بين الأصابعِ، والروائح تهجرُ الأركانَ، لا يبقى رشادٌ أو غواية. بللٌ خفيفٌ يلمسُ الطرقاتِ، أعيانا الوقوفُ على الطوارِ، وشمسُ طوبةَ تنقذ الأرواحَ من بؤسٍ وجودى، وأنتِ على مسافةِ خَمسِ خُطواتٍ ينوءُ القلبُ بالأيام حتى تسلم النبضاتُ حِدَّتَها، وتذوى قوةُ الماضى. اكتمالٌ يجمعُ الأعضاءَ جمعا آخرا ويحررُ الساقين من إسمنتها ويهشُ طائرة، فتعلو فوق جثتها سيعلو فوق قلبى طائرٌ، يسعى ليقتنصَ الرذاذَ من السحابةِ قبل أن تمضى، ويجمعُ من هواء العُمْر رَمْلَ الذكرياتِ. - أقولُ: هل هى صُدْفةٌ، أنى اجتمعتُ على ذراعكِ مضغةً، فرسمتِ فوق لفافتى كفا مطرزةً، واسمَ الله، ثم حملتنى من يوم أن حدث اللقاءُ ليوم أن حُمَّ القضاءُ، - وأقولُ: كيف جعلتِ وجهىَ مُعْجماً لجميع أنماط الكلامِ فلم يعد رمزٌ يلوحُ على جبينى دون تأْويلٍ، وصار الصمتُ أعلى من نداء. - قالت: صباحُ الخير . لم أكُ وقتها فى حجرتى، كنتُ انتقلتُ إلى فراغٍ آخرٍ، وتركتُ للكتب القديمة أن تردَّ تحيةً يوميةً، وأدرتُ رأسى نحو صوتٍ آخر يطفو قليلا فى الفضاء. - قالت: رفوفُ الكُتْبِ، منضدةُ الكتابةِ، والأريكةُ، كلها ردت، وصورتكَ التى ضحكت خلال إطارها، والبابُ، والسطحُ المقابلُ، والحمامُ، وشرفةُ البيت التى ألقتكَ يوما فى لظاها، والسماء. كانت لنا لغةٌ، وللأغيار ضجةُ أحرفٍ تهوى، فمن يحمى كلامَ الصمتِ من عبث الهواء. وظننتُ أنكِ فى حماية معصمى، فرأيتُ لصَ الموتِ يدخلُ من خلال البابِ مُتَّئدا، يفرقنا بنظرته، ويدنو من سريركِ فى هدوءٍ، ثم يرحلُ بعد أن أنهى مهمته السريعةَ دون عطفٍ أو رثاء. واليومَ أرتجلُ الوجودَ كمشهدٍ صعبٍ، وتهجرنى شجاعةُ ساعدىّْ اليومَ أَخرجُ من قطيفةِ راحتيكِ إلى رصيف العُمْر، أمنحُ أصدقائى أُجرةَ العينين إن بكتا علىّ. شعر: صلاح اللقانى ، دمنهور