نقابة المهندسين تحتفي بالمهندس طارق النبراوي وسط نخبة من الشخصيات العامة    انطلاق أعمال لجنة اختيار قيادات الإدارات التعليمية بالقليوبية    الشربيني يكشف الانتهاء من 737 ألف وحدة إسكان اجتماعي    هيئة سلامة الغذاء: 6425 رسالة غذائية مصدرة خلال الأسبوع الماضي    تكثيف حملات النظافة حول الكنائس بالشرقية    وزير الإسكان: مخطط شامل لتطوير وسط القاهرة والمنطقة المحيطة بالأهرامات    نائب محافظ الدقهلية يتفقد مشروعات الخطة الاستثمارية بمركز ومدينة شربين    "القاهرة الإخبارية": خلافات عميقة تسبق زيلينسكي إلى واشنطن    وزيرا خارجية تايلاند وكمبوديا يصلان إلى الصين لإجراء محادثات    وزارة الداخلية تضبط سيدة وجهت الناخبين بمحيط لجان قفط    وداع هادئ للمخرج داوود عبد السيد.. علامة بارزة في تاريخ السينما المصرية    رحيل «دقدق» مؤدي المهرجانات الشعبية.. صاحب الأغنية الشهيرة «إخواتي»    تأجيل تصوير مسلسل «قتل اختياري» بعد موسم رمضان 2026    أكرم القصاص للأحزاب الجديدة: البناء يبدأ من القاعدة ووسائل التواصل نافذة التغيير    من مستشفيات ألمانيا إلى الوفاة، تفاصيل رحلة علاج مطرب المهرجانات "دقدق"    أمم إفريقيا – محمود عاشور حكما للفيديو لمباراة مالي وجزر القمر    صعود مؤشرات البورصة بختام تعاملات جلسة بداية الأسبوع    بعد فيديو هروب مرضى مصحة المريوطية.. تحرك عاجل من وزارة الصحة    قضية تهز الرأي العام في أمريكا.. أسرة مراهق تتهم الذكاء الاصطناعي بالتورط في وفاته    البورصة المصرية تربح 17.5 مليار جنيه بختام تعاملات الأحد 28 ديسمبر 2025    محافظ البحيرة: المرأة البحراوية تتصدر مشهد الانتخابات منذ الصباح الباكر    رسالة من اللواء عادل عزب مسئول ملف الإخوان الأسبق في الأمن الوطني ل عبد الرحيم علي    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ونظيره المغربي    بابا لعمرو دياب تضرب رقما قياسيا وتتخطى ال 200 مليون مشاهدة    عاجل- هزة أرضية عنيفة تهز تايوان وتؤدي لانقطاع الكهرباء دون خسائر بشرية    من مخزن المصادرات إلى قفص الاتهام.. المؤبد لعامل جمارك بقليوب    مباشر أمم إفريقيا - الجابون (0)-(0) موزمبيق.. صاروخ مبكر    الزمالك يصل ملعب مباراته أمام بلدية المحلة    وليد الركراكي: أشرف حكيمي مثل محمد صلاح لا أحد يمكنه الاستغناء عنهما    انطلاقا من إثيوبيا.. الدعم السريع تستعد لشن هجوم على السودان    رئيس جامعة قناة السويس يتفقد اللجان الامتحانية بالمعهد الفني للتمريض    صاحب الفضيلة الشيخ / سعد الفقي يكتب عن : شخصية العام!    " نحنُ بالانتظار " ..قصيدة لأميرة الشعر العربى أ.د.أحلام الحسن    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : حينما نزل الغيث ؟!    وزارة الصحة: غلق مصحة غير مرخصة بالمريوطية وإحالة القائمين عليها للنيابة    لتخفيف التشنج والإجهاد اليومي، وصفات طبيعية لعلاج آلام الرقبة والكتفين    أزمة السويحلي الليبي تتصاعد.. ثنائي منتخب مصر للطائرة يلجأ للاتحاد الدولي    أبرز مخرجات الابتكار والتطبيقات التكنولوجية خلال عام 2025    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة في صورة بطاطين    وصول جثمان المخرج داوود عبدالسيد إلى كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة    الداخلية تقضي على بؤر إجرامية بالمنوفية وتضبط مخدرات بقيمة 54 مليون جنيه    بدون حبوب| أطعمة طبيعية تمد جسمك بالمغنيسيوم يوميا    «ليمتلس ناتشورالز» تعزز ريادتها في مجال صحة العظام ببروتوكول تعاون مع «الجمعية المصرية لمناظير المفاصل»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم فى سوهاج    هيئة الرعاية الصحية تستعرض إنجازات التأمين الصحي الشامل بمحافظات إقليم القناة    أحمد سامي: تعرضت لضغوطات كبيرة في الاتحاد بسبب الظروف الصعبة    أمم أفريقيا 2025.. تشكيل بوركينا فاسو المتوقع أمام الجزائر    وزير الصناعة يزور مقر سلطة الموانئ والمناطق الحرة في جيبوتي ويشهد توقيع عدد من الاتفاقيات    لافروف: روسيا تعارض استقلال تايوان بأي شكل من الأشكال    العراق يتسلم 6 مروحيات "كاراكال" فرنسية لتعزيز الدفاع الجوي    الناخبون يتوافدون للتصويت بجولة الإعادة في 19 دائرة ب7 محافظات    أول تعليق من حمو بيكا بعد انتهاء عقوبته في قضية حيازة سلاح أبيض    2026 .. عام الأسئلة الكبرى والأمنيات المشروعة    2025.. عام المشروعات الاستثنائية    الزمالك يخشى مفاجآت كأس مصر في اختبار أمام بلدية المحلة    إصابة شخصان إثر تصادم ميكروباص مع توك توك بقنا    عبد الفتاح عبد المنعم: الصحافة المصرية متضامنة بشكل كامل مع الشعب الفلسطينى    يوفنتوس يعبر اختبار بيزا الصعب بثنائية ويشعل صراع القمة في الكالتشيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موت مدرس.. خبر عادى فى مصر القيصرية

ليس كل الموت موتًا. هناك موت يؤلم أكثر من غيره، لا بسبب درجة القرب أو الأهمية، ولا بسبب نوع الميتة التى ماتها الميت، بل بسبب نوع الحياة التى عاشها قبل أن يموت.
ولا أظن أن موتًا يستحق الألم فى الأيام الماضية، بقدر ما يستحقه موت ستة مدرسين من مراقبى الثانوية العامة تباعًا فى محافظات مختلفة. هم أيضًا ضحايا تعذيب، لكن عذابهم ليس ساعة ضرب أو تهشيم فك على يد مخبر أو أمين شرطة أو ضابط، وليسوا ضحايا تعذيب أسابيع من الإقامة المتقشفة فى محافظة أخرى، بل تعذيب العمر الذى أفضى إلى الموت.
الأمر ليس فى بساطة اتهام الوزير أحمد زكى بدر بقتلهم بسبب التعنت فى التكليف بالمراقبة مثلما كتب البعض أو مثلما اتهمه بعض المعلمين المطالبين باستقالته، كما أن إلقاء المسؤولية بكاملها على التأمين الصحى لتأخره فى إسعاف أحدهم هو نوع من التبسيط المخل، لوقائع موت معلنة تمثل عارًا حقيقيًا، لكل من وصلته أخبار الموت، فما البال إن كان مسؤولاً؟!
التعنت لا يجوز عندما يتعلق الأمر بالمرضى، والموت بسبب الإهمال الطبى نعرفه ويجب أن يلقى الحساب أيضًا، لكن المؤلم أن موت المدرسين له علاقة بحياتهم. والعار يجلل كل من يعرفون ماذا يأكل المدرس فى يومه قبل أن يموت، ولم يفعلوا شيئًا.
حوادث الموت الست متشابهة، كلها أزمات قلبية، وهبوط حاد فى الدورة الدموية وضربات شمس. أى كلها سوء تغذية ونقص سوائل فى الدم.
قد يتهمنى أحد بالتنطع للإفتاء فى الطب بغير علم، وأنا على استعداد للتنازل عن هذا التشخيص بشرط أن يتم الكشف على عينات من المدرسين الذين لم يموتوا بعد، بل الكشف على كل مصرى ليس لصًا أو رجل أعمال أو مسافرًا جلب أمواله من الخارج!
سوء التغذية الذى أزعمه لدى الشرفاء الراحلين ليس وليد أسبوعين من المراقبة، ونقص السوائل نتيجة للفقر الذى وصل إليه المعلمون، حتى لم يعد بوسع الواحد منهم أن يكفى حاجة جسمه من الماء أثناء غربته.
كنت أتمنى لو أجرت الصحف التى نشرت أخبار الوفاة والاتهامات حولها تحقيقًا صحفيًا بسيطًا مع المدرسين لنعرف كم يحمل معلم الجيزة فى جيبه عند سفره إلى سوهاج وكم حمل مدرس المنوفية قبل أن يموت فى القليوبية؟
كم يستطيع المدرس الذى ترك خلفه ذرية ضعافًا أن يقتطع من خمسمائة جنيه، كم يترك لهم وكم يحمل وماذا يأكل ويشرب فى غربته؟
كيف وصل الحال إلى هذا الحد من المسكنة بالمعلمين «المدعوين لتربية الشعب حسب وصف أنطون تشيخوف» الكاتب الروسى الذى لا يمكن أن يمر هذا الموت المؤلم دون أن نتذكره.
تشيخوف، الكاتب الأكثر عذوبة وحنانًا كانت تؤرقه أوضاع معلمى بلاده فى روسيا القيصرية، ينقل مكسيم جوركى عنه قوله: «عندما أرى المدرس أشعر بالحرج منه بسبب وجله وبسبب ملابسه الرثة. ويخيل إلىّ أننى أيضاً مذنب بصورة ما، فى بؤس المدرس».
كان تشيخوف بحنانه الإنسانى النادر تجاه من يكتب عنهم من الفقراء أحد أهم الأسباب التى مهدت للثورة على القيصر وطبقة الأرستقراطية التى اغتصبت لنفسها اسم (النبلاء) فالأقوياء يغتصبون كل شىء ويصادرونه لصالحهم حتى اللغة!
كان تشيخوف يرى النبالة فى الموظفين الصغار، وكان أهم ما يقلقه المدرس، ويقول لصديقه «لو كانت لدى نقود كثيرة لأقمت هنا مصحًا للمدرسين الريفيين المرضى. أتدرى، ولكنت شيدت مبنى مضيئًا جدًا بنوافذ كبيرة وأسقف عالية، ولكنت زودته بمكتبة رائعة».
آسف لإطالة الاقتباسات، لكنه مغر ذلك الذى قاله تشيخوف بحق المدرس الروسى «الذى بدونه ستنهار الدولة كالبيت المشيد من طوب لم يحرق جيدًا».
وقد وصلت أوضاع المدرسين المصريين إلى حد لا يمكن مقارنته مع أوضاعهم فى أى وقت مضى، لا قبل الثورة، عندما كان المعلم كاتبًا ورسامًا ومثقفًا كبيرًا كما كان يحلم تشيخوف، ولا فيما بعد الثورة على مدى عشرات السنين، وقد استمتعت فى طفولتى بالتتلمذ على يدى المعلم المستريح الذى لديه فائض من المال لشراء الكتب والفائض من الوقت لقراءتها وتثقيف غيره بها.
لا تشبه أوضاع المدرسين المصريين اليوم إلا أوضاع مدرسى روسيا القيصرية، حيث يعمل مربى الشعب بالسخرة فى ظل نظام لا يستحى من إرباكنا بالحديث على مدى سنوات عن الدعم ومعاييره وشروطه ونوع بطاقاته التى تضمن عدالة وصول عشرة جنيهات للفرد المستحق للدعم فى شهر.
نجحت سياسة التوريط فى الخطأ بضغط الأجر غير العادل، بل دون الآدمى فى أن تجعل الكثير من المصريين يوفقون أوضاعهم بوضع أيديهم فى جيوب الآخرين.
والمعلمون بشر، وفقوا أوضاعهم من خلال الدروس الخصوصية، لكن تتبقى نسبة من الاستشهاديين الذين يشفقون على أمثالهم من الفقراء فلم يوغلوا فى هذه اللعبة، ونسبة من مدرسى المواد غير الأساسية، يعانون الفقر القاتل.
وعلى كل من يتوقع من أسرة أن تعيش بخمسمائة جنيه أن يشعر بالعار وأن يعتبر نفسه مشاركًا فى تعذيب يفضى إلى الموت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.