كنّا فى برنامج «90 دقيقة» على قناة المحور نتحدثُ حول نوّاب الرصاص، تطرّق الحديثُ إلى مواد الدستور المصرى 76، 77، 88، التى تودُّ الأكثريةُ تغييرها، فقال على الهواء: «مش معنى أن 50 عاوزين التغيير أن الثمانين مليون عاوزين برضه، لو فيه خمسة مقالات بتقول نغير، ففيه قدامها خمسمائة تقول العكس، ولو سألت الناس فى الشارع عاوزين تغيروا المادة 76؟ حيقولوا لك يعنى إيه 76؟» فقُلت له: «لأن الناس مشغولون بالجوع والفقر والمرض! ثم مَنْ المسؤول عن تغييب الشعب وتجهيله، بفرض جهله؟ انزل الشارع بنفسك لتعرف أن الناس يريدون التغيير! ألهذا الحد أنتَ منفصل عن شعبك لا تعرف ماذا يريد!» فما كان منه إلا أن قال: «ده حوار قرف، وأنا غلطان إنى جيت البرنامج ده، لا تجادل الأقل يسقط وقارك، انتى جاية إمبارح من إسبانيا وحاطالى رِجل على رِجل وبتتكلمى عن الشعب؟» والتزمتُ الصمت بقية اللقاء انصعاقًا مما أسمع، وتعالياً عن المناطحة، واحترامًا للمشاهد، وثمة سبب رابع وراء صمتى. لكنَّ ذاك الصمتَ لم يَرُق لأصدقائى وأسرتى وقرّائى، حتى إننى قرأتُ تعليقات رافقت بثّ اللقاء التليفزيونى على الإنترنت تقول: «هى الأستاذة معهاش أتعاب محامى واللا إيه؟» رسائلُ قليلةٌ وصلتنى تشيدُ بترفّعى عن الردّ، وكثيرُ الرسائل عاتبتنى على صمتى. أما السبب الرابع وراء صمتى، فهو شفقتى على موقفه الضعيف وإدراكى مبلغَ حرجه على الهواء، لم يجد عضو لجنة السياسات ما يجيب به سؤالى، فلجأ إلى التطاول ليتشتتَ الحوارُ ويضيع السؤال، وبالتالى تسقط حتميةُ الإجابة عنه! والحقُّ أن الأستاذ «كرم جبر»، رئيس مجلس إدارة «روزاليوسف»، مَدينٌ لى بإجابتين عن سؤالين، أحدهما موضوعىٌّ عام يخصُّ الناس، والثانى شخصىٌّ يخصّه ويخصُّنى، الأول: مَن المسؤول عن تجهيل الشعب بحقوقه، بفرض جهله بها، وكيف يكون مسؤولاً بالحزب الحاكم ولا يشعر بنبض الشارع ورغبته الملحّة فى التعديل الدستورى؟» السؤال الثانى: «لا تجادلْ الأقلَّ يسقط وقارُك!»، هكذا قال، وأسأله بدورى، بما إننى «الأقلُّ»، حسب قوله: أنا كاتبةٌ صنعتُ اسمى ومكانتى، لدىّ ستة عشر كتابًا، ورصيدٌ من المقالات والدراسات والترجمات، وخريجة كلية الهندسة جامعة عين شمس، فماذا لدى الأستاذ كرم جبر، فى المقابل، ليرى نفسه «أعلى»؟ ما رصيده غير مقالات دءوب فى روزاليوسف «تؤيد» النظامَ بقوةٍ، والوزراءَ ونوّابَ البرلمان؟ ما إنجازُه الفعلىّ فى الحياة الفكرية والثقافية المصرية ليضعنى فى الخانة «الأقل»؟ ولأن لدىّ أتعابَ محامٍ، ولأننى لا أحبّ أن أخذل أصدقائى وقرّائى وأسرتى، ولأننى اقتنعتُ بأن السكوتَ عن التطاول تواطؤٌ على النفس، ولأننى حريصةٌ على شرف مهنة الكتابة، فقد قررتُ أن أختصم ذلك «الأعلى» قضائيًّا، وأرجو أن يعتبر الأستاذ كرم اختصامى إياه اختصامَ مواطنٍ مصرىّ ضدّ مواطن مصرى، لهما نفس الحقوق الدستورية أمام القضاء، وإنى على ثقةٍ من أنه لن يلجأ للاحتماء خلف منصبه فى لجنة السياسات وعضويته فى الحزب الحاكم، أم تُرى ثقتى فى غير محلّها؟! [email protected]