نحن في جنوب مصروتحديداً في قراها النائية لا يكتشفنا أحدٌ، وعلينا أن نكتشف أنفسنا، ولأننا نحصل على الصحف بصعوبة، وعلى الكتب بمشقه فإننى اكتشفت أنني شاعرٌ في أواخر العشرين من عمرى، فحصلت على الجائزة الأولى لشعر العامية التى نظمتها أخبار الأدب عام 98 لكن حبى للسرد والدراما كانا يسيران جنباً إلى جنب مع حبى للشعر وفى السنتين السابقتين لثورة يناير زادت همومي وزادت رغبتي في التعبيران أهلي وناسي في الجنوب ولأن الشعر تم حصاره وأشيع أنه لا يبيع بالإضافة أنه ليس له جوائز كذلك هيمنة كبار شعراء العامية على النشر والميديا وتحكمهم في الساحة جعلني أغامر وأكتب روايتي الأولى (قاو. أسطورة الدم ) ولاقت الرواية أصداء طيبة وهذا شجعني لأن أكتب روايتي الثانية (بنات قبلي ) كي أخذ مكافأتها وأنشر بها ديوان شعر من دواويني الحبيسة وقد كان ونشرتها ضمن سلسلة حروف ونفدت طبعتها الأولى خلال شهرين ولم أتمكن من نشر طبعات أخرى منها لكن الأثر الذي أحدثته زادني ثقة، في هذه الأيام كانت ثورة يناير قد هبت وبدأ الإعلام يردد أن الصعيد ذات ميول دينية متطرفة وظل هذا الكلام يؤرقني فهو مناف للحقيقة حتى وقعت على حكاية رمزية واقعية كتبتها في 30 يوماً وارسلتها لدار الساقي وكانت رواية عشى ليلى التى خرجت بإبداعي للعالم العربى وتناولتها كبريات الصحف والمجلات بإعجاب شديد، وبعد ثلاث روايات اعترف أنني اكتشفت نفسى في السرد كما اكتشفتني في الشعر ولم يكتشفني أحدٌ وخصوصاً بعد اطلاعي على روايات لكتاب من جيل الشباب حققت انتشاراً وحازت على جوائز كبرى وكذلك بعد أن أتيحت لي فرصة الاطلاع على بعض الروايات العالمية فتشجعت وكتبت ونشرت وعندما أتذكر ذلك أبتسم ساخراً من الذين ينظرون نظرة دونية للعامية المصرية والذين يهمشونها والذين يحاصرونها والذين يختزلونها في شعراء جيل الستينات!!! سحب بلا مطر (مقطع من رواية "عشى ليلي") يزداد المطر هطولاً ويعلو صوت الرعد، وتهرول ألوان البرق أمام عيني حميد، وكأنها طيفٌ مرَّ مسرعاً. يمدّ حميد يده ليهرش جنبه فيشعر بالبلل قد زحف على جلبابه وجسمه متسللاً عبر الحصير، فيقف مسرعاً، ويخطو ناحية الحجرة بخطواتٍ حذرةٍ، وهو يتحسّس موضع قدمه في كل خطوة، وينزع شبشبه البلاستيكي من الطين بصعوبة، ثم ينزع الطين اللزج من قدميه حتى يصل إلى باب الحجرة الخشبي الحافل بالثقوب. يدفع الباب برفقٍ، يدخل في حذرٍ، ينزع اللبدة والشال ويضعهما على ماجورٍ فخاري موضوع في ركن الحجرة، ثم يخلع جلبابه برفقٍ ويسنده على الماجور بحذرٍ، ثم يخلع الصديري المتهالك صدره ويخلع الفانيلة القطنية ذات الأكمام الطويلة والثقوب العديدة، ثم يخلع سرواله الأبيض الطويل الواسع، وبرومانسية يفتح ذراعيه على آخرهما، ويضمّ شوال قمحٍ مسنود في ركن الحجرة بحبٍّ شديدٍ ويقول: – أموت ولا تنامي زعلانة يا حبيبة قلبي. في الناحية الأخرى من الحجرة تقول سنية، وهي تبتسم بأسنانٍ بيضاء جميلة تلمع في ظلمة الليل الشديدة كأنها نجوم صيفٍ، وتنام على لحاف ورديّ به ثقوب مفروش على الدكّة الخشبية الوحيدة المصنوعة من خشب السنط: – أنا هنا يا سبعي ههههههههههههههههه. – طب مش تقولي يا سنسونة قلبي هههههههههههه. يلعن حميد العشى الليلي الذي جعله يرى شوال القمح وكأنه سنية زوجته، ثم يخطو نحوها قوياً كأسدٍ ورقيقاً كفراشة ونشيطاً كمصارعٍ محترف، ويظلّ يلهث، والحمار في الرهبة ينهق، ثم يصعد، ويهبط، ويخبط، ويرزع لما يقرب من ساعة، ثم يتأوّه آهةً طويلةً تخرج من قلبه وتنتشر في فضاء القرية الغارقة في صمتها إلا من نقيق الضفادع وعواء الكلاب وصرير الحشرات. تتعجّب سنية من قدرته الجنسية الفائقة رغم أنها معتادة على ذلك، لكنها سرعان ما تتحسّر على هذه القدرة، خاصةً وأنها قدرةٌ غير فاعلة، بالضبط كعجلٍ قوي هائج يظل يعتلي ظهور إناثه بمهارة ويقذف في بطونها سائله المقدس ذا الرائحة النفاذة، لكنّ هيجانه وصولاته وجولاته وسائله المقدس غير ذي جدوى، فهو لم يعمل على انتفاخ بطنها يوماً، ولم يمنع حيضها مرةً من النزول. -------- * ماهر مهران: شاعر وروائي، صدر له 10 دواوين شعرية أخرها ديوان جسمها جنينة، و3 روايات أخرها عشى ليلى، وكتب العديد من الأعمال الدرامية ---------- إبراهيم عبد المجيد http://almashhad.net/Articles/992661.aspx سعيد نوح http://almashhad.net/Articles/992663.aspx صبحي موسى http://almashhad.net/Articles/992666.aspx عمار علي حسن http://almashhad.net/Articles/992669.aspx ماهر مهران http://almashhad.net/Articles/992673.aspx محسن يونس http://almashhad.net/Articles/992676.asp وحيد الطويلة http://almashhad.net/Articles/992680.aspx هاني القط http://almashhad.net/Articles/992700.aspx أنهار الرواية المصرية .. ملف خاص (شهادات ونصوص ل 8 روائيين) http://almashhad.net/Articles/992649.aspx