أزمة الإخوان الحقيقية أنهم يتصورون أنهم الأذكى، والأقدر على اللعب بكل الأوراق كالحواة لخداع الآخرين، ويعتقدون بسذاجة أن تنويع الخطاب والإجراءات المتناقضة، وتصدير مرة حديث الثورة وأخرى الديمقراطية والدولة المدنية، يمكنهم من جذب فئات جديدة لمعسكرهم أو تحقيق مكاسب، رغم الخسائر الفادحة التي يتكبدونها يوميا، والتى تلقي بتداعياتها الثقيلة على المشهد العام في مصر وعلى مناخ الحريات، في مقابل تقوية موقف خصمهم الذي أزاحهم من السلطة، وإتاحة العودة، بدون ممانعة واسعة، للنظام القديم، وإفلات رموزه من العقاب المستحق. فها هم يتحدثون عن النهج الثوري، وأننا إزاء ثورة جديدة أو استكمال "ثورة يناير"، ثم يعاودون حديث الشرعية الدستورية الذي هو على النقيض تماما شكلا وموضوعا، ويلحون على دعوى التوافق الوطني ووحدة الصف لإسقاط حكم السيسي ونظام مبارك، ومع ذلك يصدرون مطالبهم ويريدون فرض أجندتهم، وأن من يحرص على التغيير الذي لا يعني سوى هيمنتهم من جديدة واستعادة ما خسروه، عليه أن ينضم إليهم ويسير خلفهم كالأعمى والأبله، بإعتبارهم "الثوار" وأصحاب التضحيات الأكثر والفصيل الأكبر بالمجتمع. ويعتبرون احتجاجاتهم التي تعبر عن فصيل واحد هو التيار الديني، ولهدف مصلحي خاص بالجماعة، حراكا ثوريا، رغم عدم وجود مفهوم الثورة في أدبياتهم ولا مخيلتهم، مع طبيعة تكوينهم العقائدي المحافظة، وكذلك افتقاد التأييد الشعبي لمثل هذه المطالب الانتهازية، علاوة على أنه لا أثر حقيقي على الأرض لما يقومون به، في ظل اقتصار مظاهراتهم على أطراف المدن والقرى، وفي مواجهة سلطة باطشة تفرض أمر واقع بالقوة كل يوم، فيما يجددون القول بإن عودة مرسي خيار شعبي وأنه عنوان الديمقراطية التي لم تعرفها مصر لا في حقبتهم ولا قبلها ولا بعدها. ورغم خروج الجماهير عليهم وموجة غضب عارمة ضد حكمهم، استغلها الجنرالات لإزاحتهم والإمساك بالسلطة، إلا أنهم لا يريدون الاعتراف بحقيقة أن دولتهم قد زالت رئيسا ودستورا وبرلمانا، سواء بقوة الأمر الواقع أو باعتراف دولي وقطاع واسع من المصريين بما آلت إليه الأمور بعد 30 يونيو، وحتى من يعارض النظام الحالي له موقف مماثل من الإخوان. ولعل خطوة عقد جلسة للبرلمان في اسطنبول تؤكد أن الإخوان يعيشون الأوهام، ولم يفيقوا بعد من صدمة الهزيمة التي لحقت بهم، ولا يدركون حقيقة الصراع الذين تورطوا فيه وورطوا الجميع فيه، الذي يتطلب عقلانية وجدية في التعاطي ورؤية ناضجة ذات نهج ثوري. والسؤال هنا ..عن أى برلمان يتحدثون عن "مجلس شعب" جرى حله لعدم دستورية القانون المؤسس عليه، أو عن "مجلس شوري" أتى بنفس الوضعية وبنسبة تصويت هزيلة، وحين أصدر الرئيس الإخواني إعلانا سماه "دستوريا" بشكل غير شرعي، وسعى لتحصين هذه المؤسسة الشكلية وإعطائها بغير حق مهام التشريع، انتفض الجماهير عليه، وكانت بداية إسقاط الإخوان. ثم نأتى للنقطة الأهم، وهو شرعية هذا الكيان غير مكتمل النصاب القانوني والمنعقد بالخارج، والذي يخلط في عضويته المنقوصة بين مجلسين منفصلين كل منهما عن الآخر، علاوة على أنه كان لصيقا بحقبة جرى إنهاؤها وأصبحت من الماضي، بصرف النظر عن الآلية التي تم بها ذلك، ثورية كانت أو بالقوة المسلحة. ربما لا يدركون ذلك، أو يتغافلون عنه، ويواصلون العيش في الغيبوبة، والبكاء على المجد الغابر، وربما أنهم يريدون، كذلك، توظيف هذا الكيان الوهمي في مناكفة السلطة القائمة وإبراز مساوئها بالنظر في تشريعاتها وإجراءاتها، أو إيجاد منصة لمنازعتها في شرعيتها والتشكيك في جدارتها، وكذلك في خلق مبرر لفتح قنوات اتصال مع برلمانات العالم، تسويقا لشرعيتهم المنعدمة وحكمهم الساقط، وربما يظنون مع قرب ذكرى انتفاضة يناير أن النظام الحالي كما يرددون قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، وعليهم أن يستعدوا للعودة بكيانات جاهزة للقفز على السلطة من جديد، رغم أن المعطيات الداخلية والإقليمية والدولية لا تشي بقرب عملية التغيير، أو التخلي عن الحاكم الجديد بسهولة المدعوم من شبكات المصالح في الداخل والخارج. لكن ما لا يعلمونه أن مثل هذه الحيل والألاعيب تخسرهم أكثر وتفقدهم مصداقيتهم المفقودة أصلا، وتنسف فكرة التوافق التي يطنطنون بها، وتنزع عنهم صفة النضال الوطني الديمقراطي والثوري، وتظهرهم على صورتهم الحقيقية كانتهازيين ليس أمام أعينهم سوى مطالب خاصة مستهجنة، وطموح أعماهم عن رؤية مصلحة الوطن والتغيير الديمقراطي الحقيقي والعدل الاجتماعي واستقلال القرار الوطني، بعيدا عن شهوة الحكم. وفي الأخير، ليس برلمانهم المزعوم سوى تنويع على ذات النغمة أو مستنسخات ل"تحالف دعم الشرعية" المتفكك، ولإعلاني "بروكسل" و"القاهرة"، ثم "المجلس الثوري"، الذي لم يقدم أي منهم، وأنما يؤخر، ويضيف فشلا فوق فشل، وكل هذا ليس سوى لعب في الوقت الضائع، واستعراض إعلامي لإعلان البقاء فقط، من جماعة تتحرك كثيرا وتثرثر أكثر بلا طائل، لأنها بلا رؤية للتغيير، ولا قدرة على إدارة صراع حامى الوطيس، أو حتى تحقيق أقل قدر من المكاسب حتى الانتهازية الخاصة بهم. محمود عبد الرحيم محمود عبد الرحيم