بجوار المحكمة يوجد دُكان صغير لتصوير الاوراق والكتابه على الكمبيوتر؛ تديره سيدة صغيرة فى السن تدعى ايمان " تجلس ايمان خلف جهاز قديم ؛ تتابع الشاشه بانتباه شديد وتكتب فى سرعة مذهلة؛ ترفع عينيها لحظات لتحدثك ثم تتابع الكتابة وتقوم لتصوير الأوراق على الماكينه التى تركت جرحا فى يديها يبدو متجددا لا يلتئم . أيمان لها وجه مصري ..يحمل قسمات تؤكد أجتهادات البعض أن جذورنا فرعونيه خالصه ...ملامح أفريقية بلون خمرى يشبه الخبز المدعم ؛وجه أستقبل الصباح على عجل بدون مساحيق صناعية . بجوارها ترقد ابنتها الصغيرة فى عربة الأطفال ويصادف كل مرة اذهب اليها تكون الطفلة نائمه فى سبات عميق . وبرغم أن الرصيف المقابل للمحكمة أغلبه محلات ودكانين من هذا النوع الا اننى أصر أن أذهب الى "دكان ايمان " لانهاء كتابه بعض الاوراق وتصويرها لأنجز مهمة تخص امى كل بضعه أاشهر . الدكان الذى لا أعرف له أسما وربما لا توجد يافطة تدل عليه مجرد مساحة صغيرة بها طاولة عليها جهاز كومبيوتر وماكينه تصوير متهالكة ؛ .تقوم ايمان بين دقيقة وأخرى بالبسملة عليها حتى تباركها كى تسمح للاوراق بالمرور . فى كل مرة أسحب كرسيا وأجلس بجوار الباب حيث الهواء يتجدد ..أراقب المارين والغادين فى شارع يشبه شوارع مصر فى الصباح ..وجوه المصريين أصبحت متشابهة الى حد بعيد ...روائح عطور رخيصة لها نهايات الكحول تمتزج باتربة الشوارع وأصوات القطط التى تتكاثر ليلا لتنجب صباحا عددا لا بأس به من قطط الشوارع . تعانى ايمان مشكلة كبيرة مع الفكة وهى صبورة و متسامحة بلاحد ..تطلب ثمن التصوير والطباعه من الشخص الذى لايتجاوز فئة الخمس جنيهات وأقصاها العشر ..وعندما لا تتوفر الفكة تعطى الشخص أوراقه وتقول " هات الفلوس اى وقت " . ورغم أن الباقى عادة يكون جنيها واحدا أو نصف جنيه الا أننى لاحظت أن الناس تذهب وتعود لتطالب به . أردد فى سرى ربما يكونوا أكثر بؤسا من ايمان التى اتعاطف معها هى وطفلتها . فى أحدى المرات دخل المحل رجلان كبيران فى السن ، الى حد ما يبدو عليهما الاحترام وحسن المظهر قاما بتصوير ورقه واحده فكان المقابل ربع جنيه ..دفع أحدهما نصف جنيه لايمان وللأسف لم يكن لديها فكة لرد الباقى .. خرج الرجلان ووقفا يتشاروا لدقائق فى حل لأخذ الربع الباقى .. ثم توصلا الى حل وطلبا منها تصوير ورقه مقابل الباقى بالرغم انهما لما يكونا فى حاجة الى تصويرها ..قامت ايمان بكل ادب وهدوء لتصوير الورقه لهما ...وخرجا الرجلان منتصران فى كل مرة أتمنى ان ابقى هناك فترة اطول وربما يوما كاملا ...أتابع صورا من حياة سيدة صغيرة تعول الا اننى أتعجل الامر حتى استطيع أن انتهى قبل ان تغلق الخزينه !!! المشهد.. لا سقف للحرية المشهد.. لا سقف للحرية