* قلت مرارًا قبل الانتخابات الرئاسية أن الجيش المصري لن يغامر بسمعته وتاريخه العريق في تزوير الانتخابات الرئاسية من أجل آخرين مهم كان حجمهم. * فالجيش المصري العريق الذي هزم التتار في عين جالوت، والصليبيين في حطين، والذي فتح به الصحابة والتابعون من قبل كل بلاد شمال أفريقيا، والذي استطاع به محمد علي أن يستولي على اليونان وصقلية ومالطة، وكاد أن يستولي على تركيا لولا أن الأوربيين أصروا على الحيلولة بينه وبين ذلك حتى لا تقوم لمصر إمبراطورية عظيمة تهدد الكيان الأوربي. * ذلك الجيش المصري العظيم ما كان ليوقع نفسه في مهلكة التزوير التي يمكن أن تصبح وصمة عار في جبينه لسنوات طويلة. * إن تزوير الانتخابات كانت أكبر وصمة عار في عصر مبارك والعصور التي قبله بدرجات متفاوتة، ولكنها كانت بالإضافة للتوريث هي بداية النهاية لعصر مبارك. * وقد علت الأصوات كثيرًا في العام الماضي تصيح وتولول أن الانتخابات الرئاسية لن تتم أصلاً.. وصاح آخرون: وإذا تمت فسوف تزور تزويرًا فاضحًا.. وهؤلاء كرروا حديثهم مرات وقالوه مرارًا بصيغة الجزم. * والغريب أنهم قالوا نفس الكلام قبل الانتخابات البرلمانية التي كانت نزيهة وشفافة ولم يعتذروا عن خطئهم بعد الانتخابات البرلمانية ولم يستفيدوا شيئًا من درسها. * واليوم وبعد أن مرت الانتخابات الرئاسية كأحسن ما تكون دقة وأمنًا ونظامًا.. ولم تشهد أي خروقات من ناحية الحكومة أو الإدارة أو الجيش.. ولم تسجل أي تدخل منهم في عملية الاقتراع أو التصويت.. وكل الخروقات البسيطة جاءت من قبل أنصار المرشحين وليس من قبل الجهات المنظمة للانتخابات. * والآن ينبغي على كل من صاح وولول وصرح مرارًا أن الانتخابات الرئاسية سوف تزور أن يقدم اعتذارًا واضحًا وصريحًا وعلنيًا للجيش المصري.. وأن يعلن أمام الجميع أنه أخطأ في ظنه وأنه لم يحسن التقدير. * الاعتذار عن الخطأ هي الثقافة الغائبة عن المجتمع العربي والإسلامي.. لأن البعض يعدها عارًا وشنارًا تنقص من قدره وتذهب بهيبته.. ناسيًا أن آلية النقد الذاتي جاء بها الإسلام قبل أن تأتي بها الحضارة الغربية واليابانية. * بل إن القرآن العظيم أقسم بالنفس اللوامة وهي صاحبة الاعتذار عند الخطأ والاعتراف به ولوم صاحبها عليه.. وقد ربطها القرآن بيوم القيامة قال تعالي "لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ*وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ".. وكأن النفس اللوامة صاحبة محاسبة النفس ومراجعتها هي التي تراقب الله حقًا وتخاف من يوم القيامة. * ولكن اليابانيين الذين لا يعرفون القرآن لديهم آلية النقد الذاتي أعظم منا.. ولديهم ثقافة الاعتذار عند الخطأ أكثر منا. * فهل سمعنا عن وزير عربي أو مصري يستقيل من منصبه أو يعتذر عن خطأ وقع فيه؟ * وهل سمعنا عن مدير شركة يستقيل أو يعلن عن خطئه؟ * إننا ننتظر أن يعلن هؤلاء الذين شككوا في إجراء الانتخابات أصلًا أو نزاهتها خطأهم.. ليبدأ هذا المجتمع ثقافة جديدة في المراجعة والاعتذار وتصويب الأخطاء واتباع السياسة القرآنية العظيمة، وهي سياسة "النفس اللوامة".