وجوه سمراء حفرت ملامحها الطبيعة الصحراوية، تراب يفوح منه الرائحة المصرية، يغلب على حياتهم الطابع البدوي، حيث الجلسات العربية والرقصات الفولكلورية، تجمعهم قبائل لا يخرج أحد عن طوعها، يحدها من الجنوب خط عرض "22" يفصل بينها والسودان، التي تتشابه مع الكثير من عاداتها وتقاليدها، صراعات طاحنة دامت لعشرات السنين على مثلث حلايب، من جهة لن تفرط مصر في ذرة من ترابها، والجهة الثانية تؤكد "حلايب سودانية". عاد رئيس السودان "عمر حسن أحمد البشير" ليكتب سطرا جديدا في صفحة المشادات على منطقة حلايب، أعلن عن العلاقات المعمقة بين البلدين، وضرورة التحاور والتفاوض المتعقل مع السلطات المصرية على استرجاع حلايب، فيما أكد على وقوع حلايب داخل الحدود السودانية، وأقر أنه في حالة العجز التام سيلجأ إلى تحكيم الأممالمتحدة بشأن الحدود، وأضاف أن بحسب خرائط أطلس المعروفة في العالم منطقة حلايب "سودانية".
"حلايب مصرية 100%" هكذا رد شاذلي القرباوي ممثل قبائل حلايب وشلاتين على تصريحات الرئيس السوداني، وتابع أن هناك مؤامرة واضحة تشن ضد مصر، لشغل المصريين عن مشاريع التنمية والبناء، وإشعال العداوة بين البلدين، والرئيس السوداني يساعد على تصاعدها، وأوضح القرباوي أن الرئيس عبد الفتاح السيسي لن يسمح لوقوع مؤامرات على مصر ولن يجرؤ أحد التفاوض على أرض حلايب.
وتطرق الدكتور سعيد اللاوندي، أستاذ العلاقات الدولية بالأزمة، أن الدافع من إشعال القضية هو محاولة من الولاياتالمتحدةالأمريكية لوقف الدور الذي استعادته مصر بالمنطقة خلال الفترة السابقة، فيما أضاف أن السودان على علم جيد بأن حلايب أرض مصرية، وأكد أن تصريحات البشير لن تؤثر على زيارته للقاهرة، التي تحاول المخططات الأمريكية جاهدة في تحويل مسار المقابلة من حل أزمة دول حوض النيل وسد النهضة إلى مفاوضات إستراتيجية على حلايب وشلاتين.
منطقة حلايب وشلاتين التي ظلت نزاعا حدوديا مع السودان، تقع على خط عرض 22 شمالا يحدها من الشرق البحر الأحمر، وتبلغ مساحتها أكثر من 20 ألف كيلومترًا، بدأت سلسلة النزاعات بين مصر والسودان بعد أن قام محمد على باشا مؤسس مصر الحديثة، بفتح السودان عام 1820 وانضمت لتوسعات مملكته جنوب مصر، واستمرت وحدة وادي النيل بين مصر والسودان حتى استغلت قوات الاحتلال البريطاني ثورة "محمد أحمد المهدي" بالسودان، الذي ثار على الحكومة المصرية وأنهى سيطرتها على البلاد، ما أدى إلى طمع الدول الأوربية في ثروات السودان، ولتحمي بريطانيا مصالحها بالسودان، شُنت حملة عسكرية مصرية وبريطانية مشتركة لينتج عنها اتفاقية حكم ثنائي عام 1899، ضمت المناطق من دائرة عرض "22" شمالا لمصر وعليها يقع مثلث حلايب داخل الحدود السياسية المصرية.
في عام 1902، جعل الاحتلال البريطاني مثلث حلايب تابعا للإدارة السودانية بسبب قربه لعاصمة الخرطوم أكثر من القاهرة، ووضعت حدود مصطنعة بينهما لتفصل وحدة وادي النيل، التي قسمت قبائل البشاريين والعبابدة المنتشرة على خط الحدود إلى نصفين، وأسفر عن قرار أصدره وزير الداخلية مصطفى باشا فهمي بإلحاق أراضي قبيلة "البشاريين" شمال خط عرض 22 في منطقة حلايب وشلاتين الخاضعة لمصر للإدارة السودانية.
ومنذ ذلك الحين، ظلت المنطقة تابعة للسودان المصري إداريا، لكن عاد النزاع مرة أخرى في عام 1992، حين منعت مصر حكومة السودان من حقوق التنقيب عن البترول في المياه المقابلة لمثلث حلايب حتى يتم تحديد السيادة على المنطقة، وعلى أساسه أرسلت السودان مذكرة شكوى للأمم المتحدة ومجلس الأمن ومنظمة الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، ومن مقابله، رفض السلطات المصرية الاشتراك في مفاوضات وزراء خارجية منظمة الاتحاد الإفريقي في "إديس أبابا" لحل النزاع الحدودي، الأمر الذي استدعى محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في مؤتمر القمة الإفريقية، وعلى أساسه أصدر الرئيس الأسبق أمرا بمحاصرة وطرد القوات السودانية من حلايب وفرضت الحكومة المصرية إدارتها على المنطقة.