يقف الرئيس السابق محمد حسني مبارك الاثنين 15 أغسطس في قفص الاتهام أمام المحكمة مرة أخرى، ضمن سلسلة تبدو طويلة من الجلسات في العديد من القضايا والاتهامات والجرائم المتهم فيها من شعب مصر هو وعدد من معاونيه ووزرائه بخلاف نجليه، وحتى زوجه. المفاجأة استوعبها الجميع في الجلسة الأولى التي حضرها مبارك محمولا على سرير طبي، وأصبح وقوف مبارك قائما أو نائما أوجالسا أمام القاضي ليس محل نقاش، ولا اهتمام أفراد الشعب، فهذه قضية فرعية، رغم محاولات اثارتها لمجرد الحديث واللغو. الأهم في محاكمة "مبارك" وزبانيته، هو الاستمرارية في التقاضي، وسرعة الفصل في كل قضية، وان كان الأمر يمثل شأنا قضائيا، ومن سلطات المحكمة ، الا أن سرعة التقاضي والفصل في الاتهامات سيؤدي الى ارتياح في الشارع، وبين القوى السياسية، وبين ثوار وشباب ثورة 25 يناير. ولاشك أن الفصل السريع سيحجم من الاحتجاج، ويوقف كافة أعمال تعطيل الحركة الانتاجية، لتعود دورات العمل اليومية في المصالح الحكومية والمصانع والمؤسسات والمكاتب وفي الشوارع أيضا الى طبيعتها وأكثر، ثم ان سرعة الفصل عامل هام جدا في مسألة انجاز ملف الاتهامات ضد مبارك ونجليه ومعاونيه، والذي حتما ستضاف اليه يوميا قضايا متعددة، منها ماهو خاص، ومنها ماهوعام. نحن أمام قضية من أهم قضايا في التاريخ المعاصر، فمحاكمة مبارك، تعتبر بحق "محاكة القرن" ، لأسباب أهمها أنها نتاج مباشر لثورة الشباب في 25 يناير، وستضع خارطة معايير الحكم الرشيد لكل الحكام ليس في المنطقة العربية فقط، بل على المستوى العالمي، ولتؤكد لكل الحكام أنهم غير بعيدين عن المساءلة والمحاسبة. والثقة في القضاء المصري ليست لها حدود، فالحكم سيخضع للضوابط والمعايير التي نصت عليها القوانين المصرية، ولن يتم اختراع قانون لمحاكمة مبارك ورموز نظامه، بل سيقفون أمام قاضيهم الطبيعي، والأجمل في هذه المحاكمة أنها تؤكد وبوضوح أن القاضي الطبيعي هو من سيحكم في القضية، دون اللجوء لمحاكم استثنائية أو عسكرية مثل تلك التي كان يلجأ اليها النظام في محاكمة معارضيه. وبهذا ترسخ ثورة 25 يناير مبدأ العدالة في المحاكمة، وحتما يتمنى البعض أن يحصل مبارك على حكم رادع وقوي، ولكن الحرص الأكبر بين الناس أن يتم تطبيق القانون على كل المتهمين في قضايا افساد وفساد مصر على مدى 30 عاما وعلى كل من قتل شهداء الثورة في ميادين وشوارع مصر، لتستكمل مصر مسيرة حضارة ثورة يناير . وأنا على يقين أن محاكمة مبارك ورموز نظامه ستكون درسا جديدا في السياسة العالمية، وسيتم ادراجها ضمن أهم محاكمات الرؤساء والزعماء في العالم، وكجزء من مناهج التدريس في كليات الحقوق والقانون، ورسالة من من شعب مصر الى العالم على كيفية ادارة أزماته وقضاياه في كل المحن، والتأكيد على أن مصر حريصىة أن تثبت للعالم أنها صانعة الحضارات في كل العصور، حتى مع من أكل لحمها. وأعتقد أن العبء كبير على هيئة المحكمة وكل المؤسسات ذات الصلة بمحاكمة مبارك، فالتجربة الأولى بدأت بنجاح وكان القاضي حكيما في ادارة "معركة" المحاكمة في أولى جلساتها، ولكن مازال المشوار طويلا ويحتاج الى رؤية وتريث لتسجل مصر تاريخا جديدا في منظومة القضاء، من خلال "محاكمة القرن".