اوائل الثمانينيات من القرن الماضي التحقت بالجيش لأداء الخدمة العسكرية و كان توزيعي علي سلاح الدفاع الجوي و مركز التدريب فيه كان منطقة كنج مريوط بالاسكندرية .. كانت رحلة شاقة مرهقة و كنا مجموعة كبيرة من خريجي كليات جامعية مختلفة .. و ما ان وصلت مجموعتي الي هناك و عرف كل منا مكانه الا و صرحت لنا قيادة المعسكر بأجازة 24 ساعة .. يعني فقط يوم واحد .. و ماذا افعل في هذه السويعات القليلة .. لم يكن هناك بد من المبيت في الاسكندرية .. لكن اين ابيت تلك الليلة .. ذلك كان هو السؤال .. لكني لم احتر في معرفة اجابته .. فقد اتصلت بوالدتي في القاهرة لأعرف منها عنوان "عفاف" جارتنا في العمارة المقابلة لعمارتنا و التي كانت تكبرني بسنوات قليلة و تتولي شرح و تحفيط و تسميع مادة اللغة الفرنسية التي كنت لا اميل الي تعلمها .. و علي الرغم من ان خالتي تقيم بالاسكندرية الا انني فضلت الذهاب الي عفاف التي تزوجت و اقامت في الاسكندرية مدينة زوجها .. عرفت العنوان و ذهبت الي "عفاف" التي فوجئت بي اقف امامها و انا ارتدي الزي العسكري تشاهدني بي لاول مرة في حياتها .. طبعا لا اصف لكم ترحاب اللقاء منها و زوجها الذي كنت التقي به لأول مرة .. و بعد ان تناولنا العشاء ... ذهبت بي عفاف الي الحجرة التي سأنام فيها ساعاتي القليلة و كانت حجرة ابنها الطفل فادي اسرعت باعدادها فور ان رأتني .. و في تلك الحجرة البسيطة الانيقة لم استطع النوم حتي الصباح ... فعندما دخلت الغرفة وجدت السرير مقابلا لصورة كبير و تمثال متوسط الحجم لسيدة نساء العالمين السيدة مريم العذراء .. و عندما هممت بالنوم وجدت ان قدمي ستكون مواجهة للتمثال .. و ذلك امر لا يصح .. و ان نمت بعرض السرير علي احد جانبي و اعطيته ظهري فهذا ايضا لا يصح .. و انتهي الامر ان امضيت ليلتي جالسا نائما علي مقعد صغير بالغرفة احتراما لوجودي في ضيافة "ام النور" .. قد يقرأ تلك القصة بعض "ضيقي الافق" ليقول انني افتتنت بالتمثال .. لكن مثلي لا يفتتن بحجر اصم .. انما انا احترم "الرمز" الذي يعبر عنه ذلك الحجر .. "الرمز"الذي كان لاسمه سورة كاملة في كتاب الله الكريم هي السيدة مريم العذراء سيدة نساء العالمين "ام النور" .. هكذا تربينا و شببنا علي الحب و المودة و الاحترام و لم نعرف كلمة "الكفر" تطلق علي بعض اهلنا الذين تربينا في احضانهم و تربوا في بيوتنا ... لذا عشنا سعداء عائلة مصرية واحدة ..