قالت وكالة "رويترز" ان احتمالات فتح تحقيق حول ارتكاب القوات الإسرائيلية لجرائم حرب في قطاع غزة باتت وشيكة، بعد أن صرح الفلسطينيون هذا الأسبوع، انهم يريدون الانضمام الى المحكمة الجنائية الدولية". وكانت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي قد رفضت منذ عامين التحقيق في "ادعاءات ضد الجيش الإسرائيلي في حرب 2008-2009 متعللة بالوضع القانوني المبهم للسلطة الفلسطينية"، ولكن الأوضاع تغيرت كثيرا منذ ذلك الحين. فمؤخرا انتشرت اتهامات ضد اسرائيل بارتكابها جرائم حرب خلال حملتها ضد قطاع غزة والتي جاءت تحت اسم "الجرف الصامد"، حيث ردت إسرائيل على الهجمات الصاروخية التي نفذها نشطاء من حركة المقاومة الإسلامية، حماس، بغارات جوية وغزو بري. وأعلن الفلسطينيون هذا الأسبوع، "بشكل غير متوقع" انه يفصلهم إجراء واحد فقط عن الالتحاق بعضوية المحكمة الجنائية الدولية، ووضع حجر الأساس القانوني لهذا التحرك في نوفمبر الماضي، عندما وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤلفة من 193 عضوا بأغلبية ساحقة، على الاعتراف بدولة فلسطين، ومذاك تغير وضع السلطة الفلسطينية من "كيان" مراقب إلى "دولة غير عضو"، وإذا وقع الفلسطينيون على المعاهدة المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية المعروفة باسم معاهدة روما تصبح المحكمة مختصة بالنظر في الجرائم التي ارتكبت في الأراضي الفلسطينية، ويمكن حينها فتح تحقيق للمحكمة الجنائية بتفويض فلسطيني للنظر في أحداث تعود الى يوليو 2002 وهو تاريخ بدء عمل المحكمة بتفويض لمحاكمة أشخاص بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية. وقال "جون دوغارد" أستاذ القانون الدولي ومقرر سابق للامم المتحدة للأراضي الفلسطينية، "إذا قدمت فلسطين طلبا ستقبل في المحكمة الجنائية الدولية"، واضاف أن "الأممالمتحدة تكلمت واعترفت بدولة فلسطين، والأمر يرجع الآن إلى المحكمة الجنائية الدولية لقبول فلسطين، ولا أرى سببا للرفض"، وعندها قد يطلب الفلسطينيون من المدعين التحقيق ليس فقط في مزاعم عن جرائم ارتكبت في يوليو، وأغسطس، ولكن أيضا في شرعية المستوطنات بالضفة الغربيةالمحتلة. وقال دوغارد أن "المستوطنات جريمة مستمرة ومن الواضح تماما أن المستوطنات تشكل جريمة حرب بموجب معاهدة روما وهذا ما يثير قلق إسرائيل بشدة." وتقول إسرائيل، من جهتها، ان المستوطنات مشروعة لانها احتلت الضفة الغربية، من الأردن، وليس من دولة فلسطينية ذات سيادة في حرب عام 1967. وقال مسؤول إسرائيلي -طلب عدم نشر اسمه لان الاستراتيجية الدفاعية تندرج تحت بند السرية- إن الحكومة الإسرائيلية تخطط لوضع دفاع بشأن عمليتها في غزة، وإنه من الممكن توجيه اتهامات مضادة قد تشمل الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" إذا فتحت المحكمة الجنائية الدولية قضية، واضاف قائلا "نتحدث عن إرهاب يشمل مسؤولين، وأفراد أمن، وغيرهم من إدارته ومن مناطق تحت سيطرته، مشددا على ان "إسرائيل حرصت بشدة على الالتزام بقوانين الحرب، وتجري تحقيقات داخلية لضمان أن يلتزم أفراد الجيش بقواعد السلوك والأخلاق". ووفقا لتقديرات فلسطينية فقد دمرت القوات الإسرائيلية أو ألحقت أضرارا بنحو ثلاثة آلاف منزل في غزة، ولا ينفي الإسرائيليون مسألة مهاجمة المنازل، لكن خبراء قانونيين إسرائيليين يقولون ان المنازل حددت مسبقا كأهداف عسكرية مشروعة. ويعتقد "ريتشارد كيمب" وهو كولونيل متقاعد بالجيش البريطاني، سبق وقاد قوات في أفغانستان والعراق ويدرس تعاليم الجيش الإسرائيلي أن العمليات نفذت في إطار القانون، قائلا "هذا لا يعني أنه في غمرة اللحظة ينتفي احتمال أن يتصرف جندي أو قائد بشكل فردي خارج إطار قوانين الحرب." والمحكمة الجنائية الدولية التي تضم في عضويتها 122 دولة هي الحل الأخير بمعنى أنها تتدخل فقط عندما تكون الدولة غير قادرة أو غير راغبة في التحقيق في مزاعم بارتكاب جرائم. ولم تنضم الولاياتالمتحدة والصين وروسيا للمحكمة. ووصف دبلوماسيون ومسؤولون خيار اللجوء للمحكمة الجنائية الدولية بأنه "الخيار النووي" الفلسطيني، لانه أداة ضغط رئيسية يملكها الفلسطينيون في المفاوضات، لكنه قد يعرض الفلسطينيين أنفسهم لاحتمال الملاحقة القضائية. وقال وزير الخارجية الفلسطيني "رياض المالكي" الثلاثاء الماضي، بعد الاجتماع مع المدعين لمناقشة مسألة الانضمام للمحكمة إن المعارك المستمرة لقرابة شهر في غزة "لم تترك لنا خيارا" إلا السعي لرفع قضية ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية، واضاف إن فتح تحقيق من المحكمة الجنائية الدولية، أصبح أمرا ضروريا، في غياب نظام محاسبة حقيقي بسبب ثقافة الإفلات من العقوبة التي تتمتع بها إسرائيل، والتي ترجع إلى تقاعس المجتمع الدولي عن التحرك، موضحا أن الفلسطينيين لا يواجهون صعوبات في بناء قضيتهم أو عرضها لان إسرائيل تنتهك القانون الدولي بشكل واضح. وتنقسم الفصائل داخل السلطة الفلسطينية حول مسألة الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، ويقول محللون إن من غير المرجح أن توافق حركة المقاومة الاسلامية، حماس، على الانضمام للمعاهدة إذا كان هناك احتمال أن يتعرض قادتها للملاحقة. وكشف "حسن العوري" المستشار القانوني لعباس الأربعاء الماضي إن "حماس" و"الجهاد الإسلامي" رفضتا فكرة الحصول على عضوية المحكمة، قائلا "رفض الاخوة في حماس والجهاد ونحن نحاول اقناعهم بضرورة التوجه الى هذه المحكمة، فكل فصائل منظمة التحرير موافقة على الانضمام الى المحكمة، وفي نهاية المطاف فالرئيس هو المسؤول والقيادة ستدرس الامر وستتخذ قرارها بالنهاية." وحتى لو أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق مسؤولين في إسرائيل والأراضي الفلسطينية فانه من غير الواضح كيف يمكن محاكمتهم، فالمحكمة ليس لها جهاز شرطة وتعتمد على تعاون الدول الأعضاء لنقل المشتبه بهم إلى لاهاي.