كانت السلطة الفلسطينية قد تقدمت بمشروع قرار للإنضمام الى المحكمة الجنائية الدوليه منذ ايام بعد رفض أمريكا واستراليا الاعتراف بها كدولة ذات سيادة يعترف بحدودها ولكن أمريكا وإسرائيل تمارس الضغط على السلطة الفلسطينية لسحب مشروع القرار خوفاً منهم من إدانه المحكمة الدولية لإسرائيل والجدير بالذكر أن الانتهاكات المتعددة لاسرائيل فى قطاع غزة وعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينيه هيا ابرز الاسباب الى جعلت السلطة الفلسطينية تلجأ لمثل مشروع هذا القرار ولعل من أبرز هذه الإنتهاكات الإعتداء على السفينة " مرمرة " التى كانت تمرر المساعدات لقطاع غزة وإستنكرت كثير من دول العالم ذالك وطالبت بفتح تحقيق فى " المحكمة الجنائية الدولية "وبالفعل بدأت اللجنة المكلفة بالتحقق فى الغارة الاسرائيلية على اسطول المساعدات لغزة فى مايو الماضى وتمت حينها التحقيقات مع كبار المسئولين الاسرائيليين ولكن المدعية العامة فى محكمة الجنايات الدولية " باتو بنسودا " قد قررت عدم استمرار التحقيق فى حادثة الاسطول ومقتل المدنيين به رغم أنها توصلت إلى الاستنتاج بأنه يوجد أساس للاعتقاد بأنه ارتكبت على متن السفينة جرائم حرب ، وفقط استنادا إلى حقيقة أن مستوى خطورة الحالة لا يبرر تفعيل صلاحية المحكمة. بعض من الأقوال، حتى وإن كانت ظاهرا، التي قالتها المدعية العامة لغرض هذا القرار تدل على المخاطر على إسرائيل، ولا سيما الآن عندما أعلنت فلسطين انضمامها إلى المحكمة. فقد أصرت المدعية العامة مثلا على أنه بينما تدعي إسرائيل بأنها لم تعد تحتل غزة، فإن الموقف الثابت في الاسرة الدولية هو أن درجة وحجم السيطرة التي تواصل إسرائيل الاحتفاظ بها في غزة حتى بعد "فك الارتباط" يجعلها ما تزال قوة احتلال في المنطقة. أما إغلاق ملف "مرمرة" بسبب مسألة الخطورة فقد نبعت من أن دستور المحكمة يقضي بأن يكون للمحكمة صلاحية بشأن جرائم الحرب ولا سيما حين يكون ارتكابها جزءا من خطة أو سياسة، أو كجزء من ارتكاب واسع النطاق للجرائم. في هذه الحالة، قضت المدعية العامة، بأن الدعوى المحتملة التي ستأتي من تحقيق الحدث لن تكون خطيرة بما يكفي لتبرير تفعيل صلاحية المحكمة في ضوء حقيقة أن الحديث يدور عن حدث وحيد وقع فيه عدد قليل من الضحايا. وشددت المدعية العامة بأن المحكمة ليست ذات صلاحية في أحداث اخرى ارتكبت في سياق أوسع للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني. فوضع السكان المدنيين في غزة، كما أشارت، هو موضع اهتمام الأسرة الدولية، ولكن ليس للمحكمة صلاحية في هذا السياق. أما انضمام فلسطين هذا الاسبوع إلى دستور المحكمة فيغير الصورة تماما. وسيتعين على المدعية العامة أن تقرر الآن اذا كانت ستتعاطى مع فلسطين كدولة يمكنها بالفعل أن تنضم إلى المحكمة، وثمة احتمال طيب لأن تفعل ذلك: فحين قرر في 2012 مدعي عام المحكمة عدم الشروع في فحص ادعاءات فلسطينية في شأن ارتكاب جرائم حرب، حسب الادعاء، في زمن حملة "الجرف الصامد"، فقد فعل ذلك بعد أن قضى بأن ليس واضحا اذا كانت فلسطين هي دولة وأنه حسب دستور المحكمة فان الدولة وحدها يمكنها أن تعطي موافقة للمحاكمة على جرائم ارتكبت ظاهرا في ارضها (الشاذ الوحيد لهذه القاعدة هو في الملفات الموجهة إلى المحكمة من مجلس الامن في الاممالمتحدة). وأشار المدعي العام في حينه إلى أن فلسطين يعترف بها في الجمعية العمومية ك "مراقب" وليس كدولة غير عضو، ولكن اذا ما تغير الأمر فسيفتح الباب أمامه لفحص ادعاءات بشأن جرائم ارتكبت في فلسطين. ومنذئذ تغيرت الامور بالفعل: ففي نفس العام اعترفت بفلسطين ك "دولة غير عضو" في الاممالمتحدة. ولما كان قبولها كعضو يتطلب توصية من مجلس الامن وهناك متوقع فيتو اميركي فلا تقبل فلسطين كعضو في الاممالمتحدة، ولكن الامر لا يستبعد الاعتراف بها كدولة غير عضو في ضوء قول سابق، أعطى وزنا كبيرا لقرارات الاممالمتحدة في الموضوع يبدو أن في هذا ما يكون كافيا من اجل أن تتمكن منسودا من أن تفتح ملفات ضد إسرائيليين – وكذا ضد فلسطينيين – على شبهات لجرائم حرب. وهكذا تتغير الصورة من حالة "مرمرة"، التي وصلت إلى المدعي العام كون السفينة كانت مسجلة في جزر كوموروس، التي وجهت الملف إلى المحكمة. أما الآن فسيكون صعبا أكثر على المدعية العامة القول إن مصير السكان الفلسطينيين يوجد خارج صلاحية المحكمة. فالاعتراف بفلسطين كدولة، إلى جانب انضمامها إلى دستور روما من المتوقع أن يفسر كشأن يوسع صلاحية المحكمة إلى كل الاراضي الفلسطينية – في الضفة وغزة. وحجم الاحداث في الضفة وغزة سيجعل من الصعب اكثر اغلاق الملف بسبب "الخطورة". أي موضوع كفيل بأن يصل إلى المحكمة؟ قتل مدنيين فلسطينيين على أيدي إسرائيل كفيل بأن يثير تحقيقات، وكذا قتل مدنيين إسرائيليين على أيدي فلسطينيين، كاطلاق الصواريخ من قبل حماس. وصحيح بالفعل أن الخطوة الفلسطينية تحمل خطرا ايضا على الفلسطينيين، ولكن يجب أن نتذكر أنه عندما يدور الحديث عن فلسطينيين يهاجمون إسرائيليين، فانهم منذ اليوم في خطر كبير: فهم عرضة لسياسة التصفية من إسرائيل أو المحاكمة والسجن الطويل. وبالمقابل فان الإسرائيليين حظوا حتى اليوم بحصانة بحكم الامر الواقع على افعال تقوم بها إسرائيل للفلسطينيين، والخطوة الفلسطينية تأتي لالغاء هذه الحصانة. ولكن ينبغي ايضا أن نتذكر بأن دستور المحكمة يحظر، مثل ميثاق جنيف الرابع، نقل السكان المدنيين من دولة الاحتلال إلى الارض المحتلة، ويقضي بأن مثل هذا الحظر يشكل جريمة حرب. والثغرة فتحت الآن لاجراءات ضد زعماء إسرائيليين مسؤولين عن البناء في المستوطنات. فقد ادعت إسرائيل في الماضي بأن المستوطنات غير محظورة حسب القانون الدولي، وذلك لأن ميثاق جنيف لا ينطبق على المناطق لأنه لم يكن لها أي صاحب سيادة من قبل، ولكن هذا الادعاء ردته الأسرة الدولية وبخاصة محكمة العدل الدولية في لاهاي (ليست تلك الجنائية الفردية بل التي تعنى بالدعاوى بين الدول وبالفتاوى الاستشارية) في فتواها الاستشارية التي اصدرتها في مسألة السور الذي بني في المناطق. من الصعب التوقع أن تقرر محكمة الجنايات الدولية – والتي تتخذ من لاهاي ايضا مقرا لها – خلاف ذلك. هناك من يعتقد بأن المدعية العامة والمحكمة لن يرغبا في العناية بالموضوع كون الحديث لا يدور عن جرائم حرب خطيرة كقتل مدنيين. ومع ذلك فقد أُدخل البند في دستور روما رغم احتجاج إسرائيل، بعلم تام، والمحكمة لا يمكنها أن تتجاهله. كما أنه يحتمل أن تعتقد المدعية العامة والمحكمة بأن المستوطنات بالذات – ليس أقل من قتل المدنيين – توجد في قلب نظام الاحتلال الإسرائيلي وحرمان الفلسطينيين من تقرير المصير، ولهذا فان هذه حالة جيدة للتركيز عليها. وذلك ايضا عقب كونها حالة سهلة نسبيا من ناحية قانونية: في حالات الشكاوى بقتل مدنيين، كفيلة بأن تطرح مسائل معقدة حول تفسير مبادئ "التوازن". واضافة إلى ذلك، ففي هذه الحالات قد توليها صلاحية المحكمة لمبدأ "الاكتمال" الذي يقضي بأن المحكمة لن تبحث في موضوع اذا كانت الدولة ذات الصلة حققت فيه بنفسها تحقيقا صادقا. وفي كل ما يتعلق بالشكاوى المتعلقة بقتل المدنيين على أيدي إسرائيل في اثناء القتال في غزة واحداث اخرى، كفيلة إسرائيل بأن تدعي أنها نفذت تحقيقات كهذه. ولكن في كل ما يتعلق بالمستوطنات فان مبدأ الاكتمال غير ذي صلة، وذلك لأن الحديث يدور عن سياسة حكومية معلنة. لا يزال الطريق طويلا، بالتالي، عن الدعوى ضد إسرائيل. فالمدعية العامة كفيلة بأن تحاول التخلص من كل ملف يتعلق بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني كما يتخلص المرء من حبة بطاطا ساخنة، وذلك كي لا تصعد إلى مسار الصدام مع الولاياتالمتحدة وبعض الدول الاوروبية. وبالمقابل، فان كل الملفات التي تجري اليوم في المحكمة هي ضد متهمين من افريقيا، ومكتب المدعية العامة، الذي يفحص اليوم عددا واسعا من الحالات (بما في ذلك تلك المتعلقة بدول كثيرة القوة كالولاياتالمتحدة وروسيا) سيسرها ملف يدحض الادعاء بأن المحكمة تلاحق القارة السوداء. حتى لو رفعت دعوى ضد إسرائيليين، فان المحاكمة ضدهم لا يمكنها ان تخرج إلى حيز التنفيذ إلا اذا سلموا إلى المحكمة، الامر الذي احتمالاته في أن يتحقق ضعيفة للغاية. ولكن إلى جانب ذلك يبدو أن الطريق مفتوح على الاقل امام ورطة قانونية – دبلوماسية محرجة، فالقرار الأكثر إشكالية لمحكمة العدل العليا هذا الاسبوع، والذي صادق على سياسة هدم المنازل العقابية للجيش الإسرائيلي كقانونية، يدل على الفجوة بين المواقف القضائية الإسرائيلية – بما فيها تلك التي تقرها محكمة العدل العليا – وبين المعايير الدولية المقبولة: هدم منازل المدنيين كفيل بأن يعتبر جريمة حرب في إطار دستور روما. هذا مجرد مثال واحد على المخاطر القانونية الجديدة التي يمكن للخطوة الفلسطينية أن تقود إسرائيل إليها.