ان المشهد العراقي الحالي هو اسوا من المشهد العراقي ايام الحصار الجائر واشد سوءا من فترات حرب الخليج واكثر تدميرا من ايام الاجتياح الامريكي له. ان التاريخ لن يعيد نفسه ، لكن لو رجعنا بالعراق الى الوراء و الى فتراته الحالكة، فانه يبقى افضل حالا وانقص معاناة من حاضره. حقيقة، لقد عانى العراق الكثير فسلب مقومات الاستقلال و الحرية و حوصرت ارضه واجواؤه و ضعف اقتصاده او دمر نتيجة سياسة ما يسمى ب"النفط مقابل الغذاء"، سياسة مفروضة من الغرب اقل ما يقال فيها انها "سياسة لا انسانية"، الهدف الاساسي منها المس من معنويات العراق او ضرب الانسان العراقي في الصميم في مرحلة أولى، وفي مرحلة ثانية هي ثورة الشعب ضد حاكمه واسقاط هذا الاخير بأنقص التكاليف. ولما لم تفلح سياسة التجويع و التفقير و الاذلال في تحقيق الهدف، سارع الغرب الى سياسة جديدة و هي سياسة اضعاف العراق عسكريا، فهدمت كل قدراته العسكرية بدعوى "القضاء على اسلحة الدمار الشامل" وتوفير الامن والامان لجيرانه ، إلا ان الغرب لم يفلح للمرة الثانية في ابتزاز العراق سياسيا و اقتصاديا و فشل في اضعاف معنويات العراقيين الذين ظلوا شعبا واحدا، قائما، موحدا وراء حاكم واحد و راية واحدة. ان هذه الوحدة و التماسك لهذا الشعب لم ترق للغرب فحركت التها العسكرية الجهنمية لتغتال العراق و تعدم رئيسه، وهكذا ابيد العراق و سلب كل مقومات التقدم والحضارة واغرق في ديون لا نهاية لها. فماذا عن عراق ما بعد النظام البائد و ماذا عن عراق اليوم؟ لقد تتالت حكومات مختلفة على العراق الى حكومة المالكي الحالية و كانت شعارات هذه الحكومات هي تحقيق الديمقراطية و الحرية للشعب العراقي بكل اطيافه و مكوناته دون تمييز او اقصاء و اشراك كل العراقيين دون استثناء في العملية السياسية لبناء العراق الجديد و توفير العيش الكريم للعراقيين في ظل دولة قوية ، مصانة و مهابة. فهل تحقق للعراقيين شيء من هذا ؟ فلندع الجواب للعراقيين انفسهم. على العكس ، فالمتأمل للمشهد العراقي اليوم، لا يلحظ سوى عراقا ضعيفا، مهتزا او بالأحرى بات غنيمة يتراكض نحوه الجميع لينال كل واحد حصته. لقد فقد الوحدة الجغرافية و اصبح عبارة عن دويلات في دولة واحدة، فبالإضافة الى الحكومة المركزية، و ما يسمى ب"حكومة كرستان العراق" نجد حكومات جديدة مثل " تنظيم الدولة الإسلامية "السلفية الجهادية"، "القاعدة"، "النصرة". ان كل تنظيم قد استحوذ على جانب من التراب العراقي، كل له مرجعايته و اهدافه، كل يدين بدينه، كل له جيشه او مقاتليه او انصاره ... كل يدين بالولاء الى أميره او حاكمه، او رئيسه، او شيخه... الكل يدلو بدلوه. حتما، فالعراق لم يعد مقسما بين شيعة و سنة فقط، بل صار مقسما بين طوائف عديدة، و بات مسرحا للنزاع. فهل تستطيع حكومة المركز ان توحد العراق من جديد؟ هل تستطيع صد هذه الجيوش المختلفة المتجهة صوب بغداد لإسقاطها؟ من الواضح ان الشعب العراقي فقد الكثير من تماسكه و بات اقرب الى الانقسام و التنافر و تبين ان الحل لا يتأتى بالاستنجاد بالغرب لان ذلك لن يزيد العراق الا بؤسا و لن يزيد العراقيين إلا اقتتالا. و عليه فالاستماع لجميع مكونات الشعب العراقي اصبح شيئا ملحا، و النزول عند مطالبهم هو ضرورة أكيدة، و السعى الى خلق افق سياسي ملائم لهذه المرحلة العصيبة من تاريخ العراق امر مؤكد. فحذار و حذار ان تعيدوا الاحتلال لوطنكم من جديد. ان الذي لا يجب ان يغيب عن اذهان العرب، ان المشروع هو انتاج "سايسبيكو جديد"، و هو مشروع يؤدي الى خلق شرق اوسط جديد يحتوي على دويلات متصارعة، متحاربة لفترة زمنية طويلة، مشروع يخدم اسرائيل فتصبح الدولة الاكبر جغرافيا و الاقوى عسكريا في المنطقة. فعلا لقد بدا تنفيذ مخطط تفكيك المنطقة، فهل يوحد العراق بتلاقي ذوي الهمم الصادقة و كل القيادات لمقاومة هذه التنظيمات و احباط المخطط، ام سيمرر مشروع التقسيم و لو بوتيرة متباطئة ، فيصبح العراق مفتتا بين دويلات و تنظيمات اسلاماوية تكفيرية خاصة في ظل قيام داعش و النية الى انتصاب "امارة النصرة" في عيد الفطر؟ و هل تلقى سوريا نفس المصير خاصة و ان الساحة واحدة و الهدف واحد.