في الأيام الأولى من الحرب على غزة ناشدت الوكالات الدولية المعنية المانحين والمجتمع الدولي تدبير 60 مليون دولار للاستجابة للاحتياجات الإنسانية العاجلة لسكان القطاع المضارين من العدوان الوحشي. وإلى الآن لم تتلق هذه الوكالات إلا وعداً بخمسة ملايين دولار فقط. مشاهد القتل والموت والدمار والدماء والأشلاء المتناثرة والرؤوس المنفجرة وجثث الأطفال المطمورة تحت الركام لم تسعف الضمائر بأكثر من هذا. هذا الانحراف الغريب في توجهات المجتمع الدولي يفاقم معاناة أبناء غزة ويجعل ظهرهم إلى الحائط في مواجهة آلة قتل جهنمية. ويثير بالغ القلق والإنزعاج حيال المعاناة الإنسانية وتدهور الظروف المعيشية في غزة جراء الصراع الدائر حالياً. الأمر لم يعد قاصراً على مواجهات عسكرية توقع القتلى والجرحى بل تعداه إلى القتل المتعمد للجرحى بقطع الطريق بينهم وبين سبل الإسعاف والتماس العلاج. تفعل قوات العدوان ذلك بتعمد قصف المستشفيات والمرافق الصحية قصفاً مباشراً . وإلى الآن تم استهداف أربعة مستشفيات و12 عيادة وعشر سيارات إسعاف ومحطتين لتحلية المياه ، وتم تدمير مركز تخصصي للمعاقين. ماعلاقة هذه المنشآت الطبية بمواجهات عسكرية يقال أنها تستهدف مقاتلي حماس. مستشفى الأقصى هو أخر المستشفيات الأربعة التي طالها الدمار. وقد تعرض المستشفى لقصف مباشرأدى إلى مقتل مريض بالمستشفى وثلاثة من مرافقيه وإصابة 16 مريضاً آخرين. إصابات بشرية جسيمة وغير مبررة فضلاً عن أضرار جسيمة طالت عنبر الجراحة، ووحدة العناية المركزة والأجهزة المنقذة للحياة. ويمثل هذا المستشفى الحكومي الذي تبلغ سعته مئة سرير المرفق الصحي الرئيسي للمقيمين بوسط غزة. ومنذ القصف تم إجلاء المستشفى تماماً وتوقف عن تقديم خدمات الرعاية الصحية لمن هم في مسيس الحاجة إليها. في الوقت نفسه تعرض موظفو الإسعاف وعربات الإسعاف لقصف النيران في مواقف عديدة وثمة مخاوف حقيقية أن المرضى سيعجزون عن الوصول إلى مراكز الرعاية الصحيةسواء من جرحى القصف الوحشي أو من المرضى الذين حالت ظروف العدوان العسكري بينهم وبين تلقي المعالجة والرعاية الصحية ومع اشتداد حدة الصراع، وتكرار هذه الممارسات الوحشية فإن احتمال انهيار النظام الصحي بكامله في غزة غير مستبعد وينذر بكارثة إنسانية، بعد أن تقوضت سبل الوصول إلى الخدمات الصحية على نحو خطير. وفي كل يوم، يتعرض المزيد من المستشفيات والعيادات وسيارات الإسعاف للتلف أو للتدمير أو العجز عن أداء وظائفها. مما يضع المزيد من القيود على قدرة النظام الصحي على توفير الرعاية للأعداد المتزايدة من الضحايا المدنيين الذين يشكلون حسب آخر التقديرات 70% من أعداد الضحايا. إن الفرق الطبية في غزة تبذل جهداً خارقاً وتعمل في ظل أجواء بالغة الصعوبة لتواكب الأعداد المتزايدة من الجرحى وتواصل الليل بالنهار لإنقاذ أكبر عدد منهم. وقد وصل عدد الجرحى حتى تاريخه إلىحوالي 5000جريح وتجاوز عدد الشهداء800 شخص. الأطفال، الذين لا يشكلون بحال تهديداً لقوات العدوان يمثلون الغالبية من الضحايا المدنيين؛ 166 طفلاً قتلهم الجيش الإسرائيلي دون جريرة ومعهم 67 امرأة و37 مسناً .. بعض هؤلاء تعقبتهم الهجمات الغاشمة إلى داخل مدارس لوكالة غوث اللاجئبن الفلسطينيين (الأنروا) التي تم استخدامها كمأوى مؤقت للمدنيين. وقد بلغ عدد من لجأوا لأماكن الإيواء التابعة ( أونروا) 100000 نازح عدا مايقدر بحوالي 50000 ممن تركوا أحياءهم ومنازلهم ويقيمون بين مجموعات السكان في أحياء أخرى . وكلهم يحتاجون لإغاثة فورية. الأرقام مفزعة وتتصاعد مع كل لحظة تستمر فيها جرائم الحرب التي يشنها الجيش الإسرائيلي داخل غزةوبين نيران القصف وتدهور ظروف المعيشة يمضي أهل غزة أيام العدوان ولياليه. فقد تقلصت إمدادات الكهرباء إلى نصف الاحتياجات المثلى ما يهدد استمرار إمدادات المياه النقية ويؤثر سلباً على نظم معالجة الصرف الصحي، ويسبب مخاطر جسيمة على صحة من ينجون من القصف. الوضع خطير ولا تطببه كلمات التعاطف وبيانات التسرية. لابد من تحرك عاجل ولابد من فتح ممر آمن لعبور الجرحى والمرضى وإمدادات الإغاثة. لابد من تدبير ملايين الدولارات لتلبية احتياجات المنكوبين في غزة . ولابد من وقف جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل.