أثارت حالات التحرش المتكررة التي انتشرت في المجتمع المصري خلال العقدين الاخيرين و التي ظهرت بابشع صورها في السنوات الاخيرة قلق كل المهتمين بصحة و سلامة المجتمع المصري، لذا حاولت بشكل سريع استعراض اهم اسباب تلك الظاهرة المرضية البشعة ، اذ اول مراحل العلاج هو تحديد اسباب المرض.. و لا ادعي اني قد استطعت الالمام بكل الاسباب لكنها اعتقد انها الاهم من وجهة نظري المتواضعة: اولا : التربية عندما نفرق في المعاملة بين البنات و الاولاد و نربي فيهم الاختلاف على أساس (بنت/ولد ) .. البنت عورة لازم تتكسف و تستخبي .. و الولد لا انت راجل و مش مهم لا اخلاق ولا ادب بحجة ان مفيش ما يعيب الراجل ... هذه التربية تزرع فكرة تدني وضع المرأة و قيمتها و تلخصها في كونها متعة فقط ، ليست إنسانا له قيمة بعيدا عن نوعه .. تحولها الي "حتة لحمة" لذا تصبح مستباحة .. لو لم يكن بالفعل، فباللفظ او النظر او بالفكرة .. بينما من معالم الرجولة ان يعاكس و لا نربي فيهم ان المعاكسة هو امتهان لجسد انسان اخر .. لا يحق لأي من كان ان يمتهنه.. كما يزرع في الرجل ان قيمته تتلخص في كونه "فحلا" فقط و ليس لأي سبب اخر. ثانيا : الخطاب الديني و وضع المرأة فيه عندما يتناول الخطاب الديني (الاسلامي/ المسيحي) باعتبارها مساعد الشيطان ... سبب خروج ادم من الجنة (الذي لم يكن يستحقها اصلا) صاحبة الكيد مثل الشياطين .. المغوية .. النجسة..!! و التركيز علي صورة امرأة العزيز/ مريم المجدلية !! و يتم تلقين الاطفال ذلك في الصغر . كيف من الممكن بعدها أن ينشأ اناس اسوياء في ظل وجود هذه الافكار التي ترسخ في عقلهم الباطن .. و هل من المتوقع ان يحترم الرجال النساء .. او حتي تحترم النساء انفسهن؟؟!!!!! اعتقد لا .. الخطاب الديني (الاسلامي/ المسيحي) المتعلق بالنساء يجب ان يراجع و يعدل ثالثا: الفن و السنيما هنا الفن استغل المرأة أسوأ استغلال .. فقد ساهم بشكل واضح في تسليعها .. و تقديمها كوسيلة للمتعة .. لم يحاول مناقشة مشاكل النساء و المرأة و تقديمها بشكل متعمق وواع (الا اعمال قليلة) بل قدمها ايضا في شكل اغرائي ممتهن لأدميتها .. قدمها جسدا .. لا عقلا و روحا ايضا أصر الفن علي ان نجاح أي امرأة انما لا يتم دون استخدامها لجسدها كوسيلة، فهي لا تمتلك المقومات الذهنية لذلك اصلا. مما تسبب في زيادة حالة السعار .. بل رسخ فكرة ان النساء تحببن تلك الافعال و لا تشعرن بالمهانة منها .. فكل النساء في السينما "نماذج مشوهة" وكذلك الأمر في الإعلانات. علاوة على ان النماذج المقدمة للنساء اما انها المرأة المنكسرة ( الست امينة) في مقابل (إلهام وسلوى) في فيلم للرجال فقط حيث تضطر كل من سعاد حسني و نادية لطفي الي اتخاذ مظهر الرجال (الست المسترجلة) فقط لتحصلن علي حقهن في ممارسة عملهن، او البديل نماذج مثل افلام نادية الجندي و نبيلة عبيد حيث المرأة لا تخرج عن كونها اداة للمتعة فقط. رابعا : التراث حتي التراث لا يحترم المرأة الا حال كونها "أما" هذا هو الدور الوحيد الذي يرحم المرأة من العذاب الأبدي الذي تعانيه بدءا من ولادتها التعيسة علي تلك الارض الملعونة إلي أن تنتقل الي العالم الآخر ربما يكون احن عليها. فقد تناول التراث الابنة بالسوء "لما قالوا دا ولد اشتد ضهري و اتسند... لما قالوا دي بنية اتهدت الحيطة عليا" حتي الأم المكرم دورها لا تستحق هذا التكريم الا اذا انجبت ذكورا فقط .. اما إناثا فلا. حتي البنت تمنع من استلام ميراثها في الكثير من المجتمعات حتي لا يخرج الي عائلة اخرى.. هنا لأنها لا تعتبر انسانااصلا .. فالإنسان صفة مقصورة علي الذكور فقط. خامسا : الحالة الديموغرافية عندما ينشأ البشر في حالة زحام مستمر يفقد الانسان بالتدريج احساسه بجسده ثم بقيمته وحرمته في وقت لاحق، و من ثم ينسحب هذا علي الاخر .. فاذا كان الانسان .. محشورا طفلا في البيت و المدرسة .. مزنوقا شابا/شابة في المواصلات/الجامعة/العمل .. من اين اذن يتعلم هذا المنتهكة ادميته والمطحون جسده ان يحترم جسد الاخر اذا كان لا يشعر بجسده هو و اذا كان لا يوجد مجال كحرم لجسده سادسا : القانون و ما ادراكم ما القانون .. المفترض ان القانون بحكم الدستور لا يفرق بين المواطنين بناء علي اي اساس (اثني-ديني-نوعي ..) الحقيقة ان الدستور يتم ضرب عرض الحائط به. فمثلا العقاب علي جرائم الشرف حال التلبس للزوجة التي تقتل زوجها الخائن في فراش الزوجية تعاقب بالإعدام او المؤبد .. بينما الزوج غير ذلك. ايضا حال التلبس في فعل فاضح او دعارة تعاقب المرأة و يخرج الرجل بكفالة. امثال هذه القوانين المعيبة (كونها تفرق في العقوبة بناء علي النوع) ترسخ و تعكس فكرة عدم المساواة بل و تدني المرأة في المرتبة الانسانية .. و يصبح المبرر (دا راجل ميعيبوش حاجة) علاوة علي ان الطامة الكبرى انه "لا يوجد مصطلح التحرش في القانون المصري حيث الجرائم المنصوص عليها قانونا هي "التعرض لأنثى على وجه يخدش حياءها في الطريق العام ؛ وجريمة الفعل الفاضح العلني أو غير العلني؛ وجريمة هتك العرض بالقوة وجريمة الاغتصاب ولكل منها تعريفها". بمعني ان التحرش اللفظي لا يعد تحرشا ان يجب ان يكون الاعتداء جسديا ينتج عنه اذي مادي .. و هو غير مقبول لا شكلا و لا مضمونا .. فالأذى النفسي لم يتناوله القانون رغم كونه اشد ضررا. سابعا: السياسة و السياسيون لا تعترف السياسة بالنساء الا كأرقام في اللجان الانتخابية فقط .. حتي حينما حاولوا تمكين المرأة (و هي محاولة شكلية) اخترع البعض مسألة الكوتة ، التي ارى انها تعمق حالة تدنى المرأة و ترسخ فكرة عدم جدارتها بممارسة العمل السياسي او المشاركة السياسية. هذا علي مستوى النظام الساسي نجد نفس الوضع في الاحزاب السياسية فتمثيل النساء متدن سواء كنسبة عددية او حتي في المناصب، و من تتولي منصبا يكون لأسباب اخرى غير الجدارة!!!!!!! اما عن منظمات حقوق المرأة فهي الأسوأ قاطبة في التعامل مع وضع المرأة اذ انها اساءت من حيث أرادت الاصلاح ... فالحقيقة ان اغلب المؤسسات المختصة بهذا الموضوع استغلته أسوأ استغلال لتحقيق مكاسبة و منافع مادية و لم تقدم للنساء لا قليلا و لا كثيرا .. فانتقل الوضع من سيء لأسوأ ثامنا : النساء لا اعفي النساء من تبعة تدني وضع المرأة في مصر فالمرأة هي التي ترعى ثقافة الذكور تلك و تغرسها في عقول و نفوس البنات و الاولاد منذ الصغر، لذا نجد الأم تصر علي ان تجعل ابنتها هي المسئولة عن خدمة اخيها لأنها بنت و هو ولد، هو الافضل ... الاعلي.. الاجدر بالخدمة من قبل اخته الاقل فائدة تاسعا: الاقتصاد امتزاج كل تلك الاسباب في بوتقة اقتصادية خانقة ظالمة ممتهنة لأدمية البشر و منتهكة حتى لحيوانيتهم (فحتي الحيوان له حقوق يمارسها بشكل طبيعي) بينما سكان هذه البقعة من الارض المعنونة علي الخريطة ب"مصر" لا حقوق لهم بالمرة، فهم محرومون من الحب .. العمل .. الحياة .. الزواج .. التحقق علي أي مستوى كان. كل ما تقدم جعل من الطبيعي حدوث عمليات التحرش التي تنبع كما اري من النظرة المتدنية للمرأة ... مما يغرس ثقافة الجوع المستمر و النهم المستعر. للاسف و نحن قد تخطينا عتبة القرن الحادى و العشرين مازلنا نناقش بديهية وضع المرأة في المجتمع المصري!!!!!! التحرش تحول لثقافة اجتماعية سائدة بمفهومها العميق التحرش تحول لثقافة اجتماعية سائدة بمفهومها العميق