"المسألة كلها باختصارعندما تفلس الأحزاب ويفلس السياسيون، يلعبون على المشاعر الدينية لأنها المدخل السريع إلى الناس، وليس لعقولهم"، هذه العبارة قالها الدكتور فرج فودة من زمن وكأنه يشهد ما تمر به البلاد الآن من تلاعب الأخوان بعقول الناس عن طريق التلاعب بمشاعرهم وإنتماءاتهم الدينية. جاءت ذكرى رحيل شهيد الكلمة الدكتور فرج فودة بالتزامن مع تنصيب المشير عبد الفتاح السيسى رئيسا لمصر، والفرحة تعم البلاد نتيجة للتخلص من براثن الإخوان إلى الأبد، وكأن اليوم هو يوم أخذ الثأر لهذا الرجل. ولد الدكتورفرج فودة فى بلدة الزرقا بدمياط عام20 أغسطس1945، فكانت هذه البلدة معروفة بمحاربتها لإرهاب الجماعات المتطرفة، حيث نشأ بها كلا من إبراهيم عبد الهادى رئيس الوزراء السابق، ورفعت محجوب رئيس مجلس الشعب وجميعهم كانت لهم جهودا فى مكافحة الإرهاب فى البلاد. رأى البعض أن أفكار فودة فيها شىء من التطرف وقد هوجم كثيرا من قبل الجماعات الإسلامية، فقد واجهت كتاباته إنتقادا كبيرا وأثارت جدلا واسعا، حيث كان مناديا بضرورة فصل الدين عن السياسة وليس المجتمع والدولة. هاجم فرج فودة الجهل بجميع أشكاله، حيث وجد أن السبب وراء إنتشار الجهل والإرهاب فى مصر هى عملية "ترييف المدن" على حد وصفه . تداول فودة عدة مواقف تدل على أن الإرهاب أساس إنتشاره وتوغله، مستشهدا بموقف تتداول أثناء صغره فى قريته وهو سيدى "نعش أبو إسماعين" الطائر فهى مجرد أسطورة من تأليف أهالى البلد ولكن تحولت إلى مقام يذهبون لزيارته للمباركة به. عاصر فرج فودة رؤساء مصر الثلاث جمال عبدالناصر، ومحمد أنور السادات، و محمد حسنى مبارك. ففى عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، كان طالبا فى كلية الزراعة وتخرج فيها عام 1967حاصلا على بكالريوس الإقتصاد الزراعى. من الأكثر الأحداث تأثيرا فيه هى نكسة 1967، حيث عبر عن مشاعره فى ذلك الوقت أنه شعر أن الوقت قد توقف به. وعلى الرغم من معارضته لسياسات عبد الناصر ولا سيما التعذيب فى السجون والمعتقلات إلا أن كانت هذه المعارضة لم تأتى فى صالح الجماعات الإسلامية المتطرفة فى ذلك الوقت، فكان يجد أن فكر الإرهاب نابع من الجماعات السرية ولا سيما جماعة الإخوان. أما فى عصر الرئس الراحل أنور السادات، كان قد عين معيدا بكلية الزراعة، ثم حضر رسالة الدكتوراة وكانت تحت عنوان "إقتصاديات ترشيد مياه الرى فى مصر". فكان فودة مرحبا ومؤيدا لإنفتاح الإقتصادى فى عصر السادات، ولكن كان معارضا لإعطاء الإخوان فرصة فى ممارسة الحياة السياسية فى مواجهة الناصريين واليسارين . وجد فرج فودة أن إضافة مادة أن الإسلام هو مصدر التشريع إلى الدستور المصرى هى تمهيدا لقيام الدولة الدينية. أما فى عصر مبارك ففى بداية عصر مبارك شهد فودة صراح داخل حزب الوفد حيث كان يناضل من أجل عدم التنسيق بين الحزب والجماعات الإسلامية فى ذلك الوقت، ولكن أنتهى الصراع بإستقالة فودة من الحزب وتأسيسه لحزب المستقبل. تناول فودة لأعمال الإرهاب التى كان يقوم الإخوان بإرتكابها فى ذلك الوقت فى العديد من كتبه مثل كتاب "الإرهاب"، حيث تناول فيه عمليات قتل الأقباط وتدمير محالهم وتدمير محلات الخور والفيديو. ألف فرج فودة الكثير من الكتب التى أتسمت معظمها بمحاربة الفكر الإسلامى المتطرف، والنداء بعدم خلط الدين بالسياسة، ومن أشهر مؤلفاته كتاب "الحقيقة الغائبة"، " الملعوب"، "النذير"، "زواج المتعة"، "نكون أو لا نكون". فلم يقتصر إنتقاد فودة للتيار الإسلامى فى مصر فقط بل أمتد إلى السودان أيضا، حيث أهتم بتحول السودان إلى دولة إسلامية1983، كما أهتم بدراسة نمو التيار الإسلامى فى البلدان العربية مثل تونس والمغرب والمملكة العربية السعودية. كما شارك فى مناظرتين أولاهما فى معرض الكتاب الدولى 7 يناير 1992 وكانت بين أنصار الدولة المدنية الدكتور فرج فودة والدكتور محمد أحمد خلف وأنصار الدولة الدينية الشيخ محمد لغزالى والمستشار مأمون الهضيبى. أما المناظرة الثانية فكانت بينه هووفؤاد زكريا وبين الدكتور محمد سليم العوا والدكتور محمد عمارة. وفى 8 يونيو1992 تم أغتياله على يد شباب من جماعة النور السلفية وهما أشرف سعيد إبراهيم وعبد الشافى أحمد رمضان، حيث تم إطلاق النيران عليه فى السادسة والنصف مساءا أثناء خروجه من مكتبه بشارع أسماء فهمى بمصر الجديدة، فتوفى إثر إصابات بالغة فى الكبد. وبهذا رحل شهيد الكلمة الدكتور فرج فودة الرجل الذى إذا أنصتنا له بإهتمام ربما كنا لم نقع فى فخ الإخوان.