يشكو كثير من باعة الإكسسوارات والهدايا المتعلقة بالثورة في ميدان التحرير قلة مبيعاتهم في الوقت الراهن، بعد أن خفت حدة المظاهرات وضعفت الحركة الثورية، ما أدى الى قلة الإقبال على بضاعتهم. وفي قلب ميدان التحرير، وعند تقاطعه مع شارع طلعت حرب، يقف جمال، بائع الأعلام المصرية والتذكارات المتعلقة بالثورة المصرية. ويقول جمال: "إن الحال لم يعد كما كان في بداية ثورة 25 يناير، إذ كان يبيع آنذاك بما قيمته ألف جنيه أو ألفي جنيه مصري كل يوم. أما الآن فلم يعد الزبائن يشترون هذه الإكسسوارات إلا كتذكار. لكنه يستطرد بالقول إنه ورغم هذا الهبوط في السوق، لا يزال سوق الأعلام المصرية هو الأكثر رواجًا ضمن "بضاعة الثورة"، التي تشمل الأساور الجلدية والميداليات والملصقات التي تحمل شعارات متعلقة بالثورة المصرية". ويوضح جمال، في حديث معDWعربية، أن "هذه الأشياء تصنع في (حي) العتبة. طوال الوقت كان السوار المرسوم عليه علم مصر موجودًا في العتبة، ولم نكن نتخيل أنه سيحظى بكل هذه الشهرة أثناء الثورة وبعدها". كما يضيف جمال أن الأجانب فقط هم من باتوا يشترون الملصقات، مشيرًا إلى أن هناك "من يدفع جنيهًا في الملصق، ومن يدفع خمسة جنيهات". وبسبب جهله باللغة الإنجليزية، يستعين جمال بشخص يطلق عليه "الخِرَتي"، تتمثل وظيفته في التعامل مع السياح الأجانب والترجمة بينهم وبين الباعة. قبل بداية الثورة كان جمال يبيع ألعاب الأطفال في ميدان رمسيس، ومع انطلاقها جرب بيع الأعلام في ميدان التحرير، إلا أن الاستقرار في الميدان كان صعبًا بسبب الاكتظاظ الشديد والتنافس بين الباعة. لكنه تمكن من حجز مكان خاص به هناك. حول ذلك يقول جمال: "بدأت بالملصقات، ثم انتقلت لبيع الأساور الجلدية، وأكرمني الله ب "تابلوه" (طاولة) أعرض عليه بضاعتي. لقد استطعت أن أتزوج من هذه المهنة". يشارك جمال في المكان صبي اسمه "محمد بُؤو"، الذي كانت أمه تبيع أدوات منزلية في ميدان التحرير قبل الثورة. يشكو بؤو أن بدايتهم في المكان لم تكن آمنة، إذ كانت هناك منافسة شديدة من قبل باعة آخرين، حتى استطاعا تثبيت مكانهما. يبلغ بؤو 12 عامًا، ويشير إلى أنه "كبر" في السن ولم يعد يطيق هذا التعب!
على الجانب الآخر من الميدان يبيع هشام، الشاب الملتحي، نفس ما يبيعه جمال من الاكسسوارات والأعلام المصرية. يؤكد هشام أنه ومجموعة من زملائه يصنعون الأعلام بأنفسهم، وأنهم استبدلوا النسر في العلم المصري بعبارة "لا إله إلا الله"، ما أدى إلى إقبال السلفيين على شرائه. ويوضح هشام أن عدد من "يعمل في مهنتنا هذه أكثر من 150 فردًا. هناك من يطبع ألوان العلم وهناك من يجمعه، ومن يخيط الشرائط. وقوول :صنعنا علمًا لإسرائيل كي يأخذه المتظاهرون ويحرقوه أمام السفارة الإسرائيلية وصنعنا علمًا لفلسطين. من كان يتصور أن يباع علم لفلسطين؟! طوال الوقت (قبل الثورة) كانت الأعلام (الرائجة) هى أعلام مصر وفريقي الأهلي والزمالك لكرة القدم ونحن نرى الشعار الرائج الآن ونصنعه". ولا يقتصر ما يبيعه هشام على الثورة المصرية فقط، فقد صنع شعارات تدافع عن القذافي وأخرى ضده، وشعارات تؤيد بشار الأسد وأخرى تعارضه. ويؤكد هشام أنه "لا علاقة لنا بهذه الصراعات. نحن نعمل، ولو لم نبع هذا العلم فسوف يبيعه غيرنا". ويشرح هشام لDWعربية أن عمله في "سوق الثورة" بدأ عندما شاهد المتظاهرين يرفعون أوراقًا في ميدان التحرير وعليها مطالبهم، وأنه فكر ساعتها في طباعة هذه المطالب. وفي التاسع والعشرين من يناير نزل هشام إلى ميدان التحرير لبيع هذه الشعارات. ويتذكر هشام قائلا: "سخر الناس مني في البداية، وكانوا يقولون إننا نستغل الثورة ونتاجر بها. لكن في أي مكان قرب الميدان كنت أبيع فيه أعلام مصر، كانت بضاعتي كلها تنفد في الحال". ويوم "موقعة الجمل"، التي هاجم فيها موالون لنظام حسني مبارك على ظهور الخيل والجمال المتظاهرين في الميدان، وقف هشام قرب الحاجز الفاصل بين مؤيدي مبارك ومعارضيه. ويتذكر: "اشترى مؤيدو مبارك أعلامًا أكثر، ربما لأنه ألقى في اليوم السابق خطابًا عاطفيًا تأثرت به الناس". ويبيع هشام أيضًا علمًا لحركة 6 أبريل، إلا أنه يخفيه وراء علم مصر، وذلك لأن سمعة الحركة تشوهت بشكل كبير في الأشهر الأخيرة على يد المجلس العسكري، كما يقول. ويضيف أنه ورغم إيمانه بأفكار 6 أبريل، إلا أنه لا يستطيع عرض العلم على الملأ بسبب مضايقات الناس له، لأنهم "يقولون لي إنني أعرض علم الخونة. لذلك اضطررت لإخفائه". هشام يميز بين من يشترون بضاعته، فالمشتري المصري قد يساوم، ولكن لو كان معه مال سيعطيه إياه في الحال، فيما يشكك الليبي طوال الوقت في أن البائع يخدعه. أما الأجنبي فيلتزم بكلمته، وحول ذلك يقول: "في إحدى المرات بعت علمًا مطرزًا بمائة وخمسين جنيهًا لسائح أجنبي، إلا أنه قال لي إنه لا يملك سوى خسمين جنيهًا، وأعطاني إياها. وبعدها بأسبوع عاد وترك لي المائة جنيه الباقية". كما يشكو بائع بضاعة الثورة الملتح من أن السائح الأجنبي كان يشتري ب 600 جنيه على الأقل في السابق. أما الآن فلم يعد الأجانب يأتون. ويبيع هشام البضاعة بأكثر من سعرها الحقيقي للأجانب، وهذا مبرر بالنسبة له، "فالسائح يأتيني مرة في العام، ولذلك فبيع البضاعة بأكثر من ثمنها له حلال". وفي بداية الثورة لاقت قمصان التي شيرت التي تحمل شعارات ثورية رواجًا كبيرًا، وعادة ما يتم بيعها عند تقاطع ميدان التحرير مع شارع البستان. أحد الباعة اسمه حسين، يقف هناك ويبادر بالقول: "البيع قل الآن لأن هناك الكثير ممن كره الثورة. نريد أن نعود لأعمالنا القديمة، فنحن نعمل أساسًا في مجال السياحة بميدان الحسين وسوق خان الخليلي". كان حسين يبيع قمصان التي شيرت ذات الصور الفرعونية في حي الحسين بالقاهرة. أما الآن فقد استبدل هذه الصور بصور تعبر عن الثورة. ويضيف، في حديثه لDWعربية: "هذه الصور والشعارات تنتشر على الإنترنت في البداية، ثم نبدأ في طباعتها على التي شيرتات في الحسين ونبيعها هنا. الأجانب يفضلون تلك التي تحمل صورًا، مثل صور ميدان التحرير أو شعارات بصرية". ويمزح قائلاً: "لا يحبون التي شيرتات التي تحمل عبارة"I love Egypt" أحب مصر يبدو أنهم لا يحبون مصر". بالنسبة لحسين، فإن الوضع اختلف الآن، إذ لم تعد هناك مسيرات مليونية، وهذا ما قلل من مبيعاته. ويعتبر البائع المتجول أن "البضاعة تروج عندما يبدأ الضرب من جانب الشرطة ويحتشد الميدان. وقتها فقط نبيع بضاعتنا".