يعجبني جدا أسلوب المشير عبد الفتاح السيسي في الحياة ، فهو لاعب محترف ، تفوق على كل السياسيين الذين عرفتهم مصر في تاريخها المعاصر ، وعلى ثعلب الملاعب حمادة إمام في الكرة . رجل يبدو شديد النبل ، لكن تأثره واضح بالمادحين وكدابي الزفة ، لا يبعد أحدا ولا يقربه ، يترك الجميع يضرب أخماسا في أسداس ، مستخدما كل الأساليب التي تمرس عليها في المخابرات الحربية .. رجل داهية لايمكن أن تعرف أعماقه ، فهو لديه دائما ما يخفيه ، ويترك لمن يظنون أنفسهم مقربين منه ما يعلنونه ، فلا يكذب أحدا ، ولا يقول لأحد إفعل أو لاتفعل . يبدو كمن ليس في يده سلطة ولا يتحكم في قرار ، وهو يدير الجميع ويحركهم مثل عرائس الماريونيت ، لكن عرائسه تظل على قناعة بأدوارها تعيش وتموت من أجله. في 30 يونيو والأسابيع التي سبقته كان في الخطوط الخلفية للشعب ، يحمي ظهره ويدافع عن خياراته .. ترك القيادة للجميع .. جبهة الانقاذ والتنظيمات الثورية وكل أعداء جماعة الإخوان .. وساعة الحسم تحرك هو بما يملكه من قوة وسطوة وأعلن بيان عزل مرسي .. من هذه اللحظة بدأت أدوار القياديين تتضاءل ، فالبرادعي يخرج من المعادلة ، وحمدين صباحي يهمش ويتم تشويهه ، وعمرو موسى يدخل الحظيرة ومعه أحزاب وشخصيات تحولت من دورها السياسي إلى الدعاية للسيسي، وشباب الثورة يتراجع دوره ، بل ويودع السجون عدد ممن قادوا التحركات الشعبية . نفس حظيرة عمرو موسى يدخلها الإعلام طواعية ، فيتنافس فيه الخاص مع المملوك للدولة ، مزايدات وتأليه وتقديس ، بل تجرأ بعضهم وأعلن أنه سيجبر السيسي على الترشح للرئاسة عنوة والمجيء به من بيته ، أو الإضراب عن الطعام أمام مكتبه حتى يرضح للأمر الواقع ، ويستجيب لإرادة الناس . المزايدات الإعلامية أعطت انطباعا للناس أنه لايوجد رجل في مصر إلا السيسي ، ولا مرشح يصلح إلاه ، هو الأوحد في كل شيء ، تحلم به نساء مصر ، وتتقدم بعضهن برجاء أن يجعلها ملك يمين له ، محطم قلوب العذارى ، وهازم لذات من يمنون أنفسهم بالترشح للرئاسة ، فالجميع يتراجع مخفيا ذيله بين رجليه . اعجابي بالسيسي يجعلني أغار منه ومن أسلوبه في الحياة ، فالصرخات تصم أذنيه طالبة ترشحه ، والحملات جاهزة والبرامج قيد أنامله ، ومعجباته يكفين لانجاح عشرة مرشحين ، نسخة من بطاقته الشخصية في كل بيت ، حبا وتيمنا ، وصوره الضخمة تغطي كل مكان في مصر ، والإعلام بآلته الضخمة ينتظر اللحظة التاريخية التي يعلن فيها استعداده للذهاب إلى المأذون لعقد القران بينه وبين كرسي السلطة ، مع ذلك يترك الرجل الجميع ينتظرون ويطول انتظارهم ، ويوشكون أن يكفروا بالمأذون وإجراءات عقد القران ويدخلوه إلى العروس عنوة . شيء غامض ينتظره السيسي ، لا يعرفه غيره .. فقلبه مثل المحيط دوما ما يخفي شيئا .. هل يخرج الرجل في اللحظة الأخيرة ليعلن مثلما أعلن في البداية انه فعل مافعل انتصارا لإرادة المصريين في الخلاص من الإخوان وأتباعهم ، وأنه لايريد مغنما ولا سلطة ولا جاه .. أخشى ما أخشاه أن يعلن ذلك لأنه في تلك اللحظة سيتحول إلى معبود حقيقي لقطاع كبير من المصريين . بدافع الغيرة من الرجل وربما الشماتة في الإعلاميين "الملاعين" الذين حاولوا معنويا اغتيال كل من يتجرأ ويرشح نفسه للرئاسة ، أحلم بألا يترشح السيسي .. لكني أعرف أحلامي .. دائما تراوغ ولا تتحقق.