يأسف البعض على ثمانين عاما أمضاها الإخوان المسلمون في محاولات يائسة لإصلاح أنظمة حكم فاسدة، استبدت وتجبرت وظلمت، وتحكمت في شعوبها بالحديد والنار، وغيبت من خالفها وراء الشمس، ومن لم يخالفها بجانب الحوائط، وقد كتبوا عن هذا الأسف، معتبرين أن 18 يوما من الثورة حققت ما عجزت عنه هذه السنوات. وهذه النظرة بحاجة إلى تدقيق، ففيها المقبول وغير المقبول، فصحيح أن أيام الثورة الثمانية عشر حققت كثيرا مما عجزت عنه سنوات الإصلاح، لكن من قال إن هذا النجاح كان محققا دون تعبيد الطريق في كل هذه السنوات، التي ربت وخرجت أجيالا واعية بسوءات النظام وعوراته، فوقفت في الميدان تحمي الثورة وتدافع عنها بأرواحها وأجسادها. ومن قال إن الثورة يمكن أن تلتف حولها الجماهير في كل وقت، ألم يكن هذا التزوير الفج في انتخابات 2010، وهذه البلطجة الشرطية، وهذه الممارسات القمعية من أجهزة الأمن المختلفة، والتضييق على الناس في أرزاقهم ومعيشتهم، والفساد الذي طال كل ركن في أركان هذا النظام باعثا أساسيا لخروج الناس يحتضنون الثورة في الخامس والعشرين من يناير، ويلتحمون بها في الثامن والعشرين منه، بالتأكيد هذه الأسباب وغيرها هي التي دفعتهم لقبول فكرة الثورة ودفع أثمانها من الأرواح والأنفس، ولولا أنهم خرجوا ما نجحت الثورة، جزئيا طبعا حتى الآن. كل هذا لا ينفي أن الإخوان قد يرتكبون خطأ فادحا إن استمروا في نهج الإصلاح بينما يعيش الناس أجواء الثورة، والشواهد حتى الآن تدل على ذلك، فموقف الإخوان الذي تمايز أثناء الثورة، لم يستمر على هذا التمايز بعدها. ولسوء الحظ فإن هذه المواقف، تقف على منطقة التماس في معظمها مع مواقف المجلس العسكري، والأخير أثبت لنا يقينا بعد هذه الشهور العشرة أنه لم يكن يريد من الثورة إلا وقف قطار التوريث. لن نغوص في هذه المواقف فقد يكون لها عند الجماعة ما يبررها في هذا التوقيت، لكنها في المجمل لا تصب في صالح التسريع بوتيرة الثورة، بل تعطلها في بعض الأحيان، وإذ انتهت الانتخابات البرلمانية بمراحلها الثلاث، ودلت النتائج على تحقيق الحرية والعدالة الأغلبية فقط وليس الأغلبية المطلقة، تكون الجماعة وحزب الحرية والعدالة في اختبار حقيقي وعنيف وفي مفترق طرق، وبقى لهذه الملايين التي أعطتهم أصواتهم، أمانة في أعناقهم، أمانة تتعلق بحق هذا الشعب في تحقيق مطالب ثورته غير منقوصة، حتى تكون ثورة كاملة الأوصاف، لا نصف ثورة، ولا حركة إصلاح أو احتجاج كما يريد أعداؤها، والمتضررون منها، والطريق الآن أضحى ممهدا في جزء كبير منه طبعا لتحقيق هذه المطالب، لا سيما ما يتعلق منها بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، والمشكلة الكبرى أن عاقبة النكوص عن تحقيق ذلك بالتأكيد لن تحمد عقباها. فوز الإسلاميين بجناحيهم الحرية والعدالة والنور، يحملهم عبئا ثقيلا، فالطريق ليس ممهدا، والمسؤولية كبيرة، والمهمة عسيرة، والتركة ثقيلة، في بلاد تركها النظام السابق، جسدا باليا مهملا هزيلا، ينخر الفساد في كل قطعة منه. وإن كان الطبع يغلب التطبع، فقد وجب علينا التنبيه أن الوقت وقت ثورة، لا وقت إصلاح، وأن التاريخ لن يرحم.