قبل نحو خمس سنوات ..... وفي أوج استخدام النساء في العمليات الانتحارية في العراق والشيشان وغيرها من مناطق في العالم ...قمت باعداد برنامج وثائقي عن احوال النساء فيما يعرف بالجماعات الاسلامية في مصر من الجماعات السلفية وجماعة الاخوان المسلمين وغيرها ... كان الهدف هو تقديم صورة صادقة وواقعية عما تعانيه هؤلاء النسوة من حيف وظلم في غياب الأب والزوج وراء القضبان وكيف يتسني لهن أن يسيرن أمور حياتهن البسيطة من إنفاق علي العائلة والاطفال خاصة وأن بعضهن كما هو الحال في نساء الجماعة الاسلامية وبعض الجماعات السلفية لا يخرجن للعمل لاسباب عقائدية وايدلوجية .... أقول الحق .. لقد رأيت أحوالا كالاهوال تقشعر لها الأبدان ....حكايات عن رحلات عذاب إلي سجون في بطون الجبال ....أطفال راقدون علي البلاط في أحضان أمهات لا يملكن قوت يومهن .... حملات مداهمات في المنازل تنزع الرجال من وسط عائلاتهم في الفجر وأحيانا إثر العودة من صلاة العشاء .....الكثير والكثير....صورٌ حفرت في ذاكرتي ولن تنمحي ...أحيانا كنت أشعر أنني اصبحت فجأة طاعنة في السن من هول ما رأيت ...... زوجة شابة وأم لستة أطفال قضيت نصف نهار حتي أصل إلي غرفتها علي سطوح بيت متهالك في حي أقل من متواضع روت لي بحسرة كيف أنها كانت تقطن في أرقي احياء القاهرة قبل أن يؤخذ زوجها المهندس إلي قدره المحتوم... لم تكن هناك من تهمة ثابتة عليه ولا دليل إدانة ....وكلما قضي القاضي بالإفراج عنه، طعنت الداخلية في حكم الإفراج ليحتجز من جديد ويرحل إلي السجن .. كانت هذه الحالات سائدة في التعامل مع أي ممن يشتبه مجرد شبهة في انتمائهم إلي الجماعات الإسلامية ... وأكبر المصائب أن هؤلاء لا يعتبرون سجناء يُرجي أن يتم الأفراج عنهم بعد فترة محددة ، كما تحرم الزوجات في هذه الحالة من أي إعانة تقدمها وزارة الشئون الأجتماعية .... كانت هذه وسيلة نظام مبارك الإجرامية في إدخال هؤلاء في نفق مظلم دون أي بصيص من أمل حتي ولو بعد قضاء عقوبة السجن المؤبد ....هذه الحالات لم تكن فردية بل كانت سائدة علي نطاق واسع وقدرت الجماعات المدافعة عن حقوق الإنسان المصرية والدولية وقتها أن عدد هؤلاء قد يفوق ثلاثين ألفا ؛ سجناء دون محاكمة ...... وقتها لم يرغب أحد حتي في وزارة حبيب العادلي صغيرا كان أم كبيرا أن يرد علي هذه الادعاءات من جانب جماعات حقوق الإنسان حتي ولو من قبيل ذر الرماد في العيون.... لم يسألني أحد من رؤسائي في المؤسسة التي لا يتردد البعض في أن يوسمها بانها "أمبريالية متآمرة"عن مصداقية ما طرحت .. وروايات النساء اللواتي كن يصرخن في التسجيل بأعلي ما في أصواتهن من الظلم والألم ... لم يكن هناك سوي علامة ذهول من الرقم الذي نقلته عن الجماعات المدافعة عن حقوق الأنسان عن عدد المعتقلين دون محاكمات في مصر ....وسؤال للتأكد من أننا حاولنا مرارا أن نتحدث إلي مسؤولي الداخلية المصرية ( قلبهم فيه الخير) لمواجهة المسؤولين فيها بما تقوله جماعات حقوق الانسان ....عملا بمبدأ الرأي والرأي الأخر ... ............... يقفز كل هذا .. اليوم وبعنف من الذاكرة ليطرح المفارقة ...كيف يتحدث بل يتبجح هؤلاء الذين كانوا مقموعين بالامس القريب في غياهب سجون مبارك في وجه الليبراليين وجماعات المجتمع المدني وجماعات حقوق الانسان ويتهمونهم بالعمالة للغرب ؟ كيف نسي هؤلاء أنهم عندما كانوا سجناء رأي لم تدافع عنهم دول خليجية ولم تمد لهم يد أمراء العائلات الحاكمة بل كانت جماعات حقوق الانسان هي التي تقف بجانبهم وتضع قضيتهم أمام الرأي العام .....وكان الفكر الليبرالي الذي يرفض أقصاء الأخر هو من يسلط الضوء علي محنتهم. كيف يمكن للمحسوبين علي التيارات الدينية أن يتحدثوا اليوم ببجاحة وصلف عن فتيات التحرير ويبرروا سحلهن وتعريتهن في الشوارع ويخوضون فيا أعراضهن وقد عانت نساءهن بالامس القريب الامرين من نظام مبارك وأعوانه من قمع وإذلال... حقيقة لا استطيع فهم هذه العقلية ...عقلية من تعرض للتهميش والقمع والاذلال سنوات طويلة لينقلب أول ماينقلب علي اليد التي امتدت إليه .... لقد كال نظام مبارك علي مدي سنوات طويلة الاتهامات لجماعات حقوق الانسان بالعمالة للغرب وبالتبعية لهذه الجهة أو تلك ولم تتراجع هذه الجماعات في وجه هذه الاتهامات بل كان الاسلاميون علي رأس قائمة مطالبهم الحقوقية ..... كان الليبراليون اشرس من تحدث عن حقوق الآخر وطعن في الحكم "الالهي" لمبارك ... كان البرادعي أول من فتح الباب علي مصراعيه للحديث بجرأة وصراحة عن حاجة مصر للإصلاح والتغيير، واليوم أري أن الأفواه تلوك سيرة الرجل بالباطل في كل شاردة وواردة ... لقد كان إبراهيم عيسي وعبدالحليم قنديل ( اتفق أو اختلف معهما ) وغيرهم ممن يحسبون علي التيارات اللليبرالية في الإعلام المصري أول من رفع صوته لمواجهة آلة مبارك الاعلامية الجهنمية ودفعوا الثمن غاليا واليوم يتجرأ الكثيرون من المتأسلمين علي رميهم بالكفر والالحاد ..... لقد كان حافظ ابو سعدة ونجاد البرعي وعايدة سيف الدولة هم أول من تحدث عن حقوق الاسلاميين الضائعة في عهد مبارك واليوم يتهمون بأنهم جزء من مؤامرة علي استقرار مصر .....وكان الاعلام الغربي " الامبريالي المتأمر" أول من تحدث عن محنة نساء الجماعات الاسلامية" ووضعها تحت الضوء ....واليوم يتهم نفس الأعلام بأنه يتسلط علي مصر ويبتز السلطات فيها بحجة الدفاع عن حقوق النساء في ميدان التحرير .... يقول الله تعالي في الحديث القدسي "يا عبادي إني حرمت الظلم علي نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا"