يتردد هذا السؤال منذ اندلاع الثورة السورية بسبب دعم موسكو الواضح للنظام السوري واستخدامها الفيتو لمنع صدور قرار من مجلس الأمن الدولي بمجرد إدانة قتل المواطنين السوريين أو فرض عقوبات على بشار الأسد وأعوانه. . ولكن بعد الاحتجاجات الشعبية واسعة النطاق في روسيا، لنا الحق في محاولة التكهن بالإجابة عن هذا السؤال . فقد بات واضحا اليوم أن النظام الذي رسخه فلاديمير بوتين على مدار السنوات العشر الأخيرة بدأ يدخل أزمة عميقة تجلت إرهاصاتها الأولى في الاحتجاجات الشعبية الضخمة في العاشر من ديسمبر الجاري على تزوير الانتخابات البرلمانية .. فتلك الاحتجاجات هي الأضخم منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وهي الأكثر تعبيرًا عن مطالب الشعب الروسي حيث رُفعت شعارات مهمة واضحة لا لبس فيها منها المطالبة بإعادة الانتخابات البرلمانية وإزاحة بوتين عن المشهد السياسي في روسيا والمطالبة بالحرية والكرامة الإنسانية. فشعار " روسيا بدون بوتين " لا يحتاج إلى تفسيرات وتحليلات كثيرة، فهو واضح وضوح الشمس. ونتيجة هذا المطلب الذي نادى به أكثر من خمسين ألف متظاهر في ميدان "بولوتنايا " على مقربة من الكرملين بات بوتين الذي يتطلع إلى العودة إلى الكرملين من جديد في مارس القادم في وضع صعب حيث تشير مصادر مطلعة في موسكو إلى أن شعبيته تراجعت بشدة لدرجة أن مراكز استطلاع الرأي الروسية قررت الامتناع عن نشر أي استطلاع عن شعبيته في الوقت الراهن. وربما جاء قرار مراكز الاستطلاع هذا بأوامر من السلطة مباشرة، خاصة أن بعض وسائل الإعلام الروسية الكبيرة شهدت إقالات بالجملة خلال اليومين الماضيين بسبب تغطيتها المظاهرات الاحتجاجية بشكل لم يرق لبوتين والكرملين . فشعبية " زعيم الأمة " التي تراوحت بين 60% و70% على مدار السنوات الماضية بدأت في التآكل حيث فقد الشعب الثقة في السلطة وطريقة إدارتها للبلاد. وتشير بعض المصادر إلى أن شعبية بوتين حاليا ضئيلة وربما لا تسمح له بالفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة في الجولة الأولى، ومن ثم قد يحتاج الأمر إلى جولة ثانية للإعادة. في نفس الوقت يعتقد قطاع غير قليل من الروس بأن الانتخابات الرئاسية في مارس القادم قد يجري تزويرها هي الأخرى. وفي كل الأحوال يبدو أن روسيا ستشهد خلال الشهور القليلة القادمة توترات واحتجاجات شعبية غير مسبوقة حيث كُسر حاجز الخوف لدى الروس. ونعتقد أن تزايد الاحتجاجات الشعبية ضد بوتين سيفقده الكثير من الشعبية والشرعية داخل روسيا خاصة أننا نلاحظ أن الكثيرين لا يرغبون في عودته إلى عرش الكرملين من جديد. ولذلك نتكهن بأنه سيلجأ إلى البحث عن شرعيته في الخارج ربما عن طريق صفقة ما مع الغرب تسمح له بالعودة إلى الرئاسة من جديد في روسيا مقابل التخلي عن دعم نظام بشار الأسد في سورية. وربما ستشمل تلك الصفقة عناصر أخرى، ولكن العنصر السوري سيكون جوهرها. قبل اندلاع الاحتجاجات الشعبية في روسيا بسبب تزوير الانتخابات البرلمانية كنت أرى أن هذه الصفقة ممكنة، والآن اعتقد أنها قابلة للتحقق. واسترجع في هذا المقام ما قاله فلاديمير بوتين في مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الفرنسي في باريس صيف هذا العام من أن علاقات روسيا بسوريا اقتصاديا وسياسيا هي أقل من علاقات سوريا مع فرنسا والبلدان الأوروبية الأخرى. ونتيجة الأزمة الحالية التي يعيشها بوتين ونظامه ( بالرغم من حالة الإنكار الواضحة لدى السلطة بوجود أزمة أصلا، وإنكار إمكانية تصور روسيا بدون بوتين ) فلابد له من البحث عن شرعية لعودته من جديد إلى الكرملين. وكما أسلفت ربما تكون هذه الشرعية مقايضة عودته إلى الكرسي الرئاسي بالنظام السوري. ولكن إتمام مثل تلك المقايضة مع الغرب لن يؤثر، في رأينا، على مسيرة الاحتجاجات الشعبية في روسيا بل ربما سيزيد منها ويفتح الطريق إلى ما يصبو إليه الروس من حرية وكرامة وعدالة اجتماعية. ولذلك لا نستبعد أن يطرأ على الموقف الروسي من سوريا خلال الفترة القادمة بعض الليونة تمهيدا لما أشرت إليه أعلاه مطلع العام القادم وقبل الانتخابات الرئاسية الروسية التي ستجرى في مارس 2012.