من يعمل في حقل الإعلام المرئي والمسموع يعرف تمام المعرفة أن هناك نوعًا من ضيوف البرامج يحاول دوما فرض شروط على البرنامج أو مقدمه أو معديه... إما بطلب تغيير الضيوف المصاحبين له أوالانفراد بالبرنامج أو حتي بتغيير نمط البرنامج أو فرض أجندة معينة عليه أو طرح القضايا من منظور مخالف للتوجه المطروح سلفا... وفي مرحلة الاعداد للبرامج غالبا ما تجري نوع من المساومات والمفاوضات بداية من محاولة معرفة الأسئلة سلفا وانتهاء بمحاولة فرض ضيوف معينين على البرنامج .... كل هذا قد يكون مشروعا من وجهة نظر الضيف كي يخرج بأكبر قدر من المكاسب الإعلامية وبأقل خسائر ممكنة.... لكن معد ومقدم البرنامج في هذه الحالة هو الثابت... أو يفترض أن يبقى كذلك... فليس من العدل مثلا تغيير طبيعة البرنامج أو نمطه أو كسر قواعد مهنية من أجل ضيف ما والتشبث بنفس هذه القواعد المهنية مع ضيف آخر. فالفنان محمد صبحي عندما دعوته للاشتراك في برنامج يقوم على الحوار مع طرفين آخرين رفض أولا الظهور في البرنامج مع ضيف بعينه ومن ثم طلب صراحة الانفراد بوقت البرنامج كشرط للظهور وهو ما رفضته وشرحت له أن طبيعة البرنامج تقوم علي الحوار مع الاطراف الأخرى وفي النهاية لم يشارك في البرنامج لكن تم تسجيل الحلقة عن نفس الموضوع دون مشاركة الفنان محمد صبحي الذي ليس لدي أي شك أن وجوده في البرنامج كان سيصبح إضافة له لكن الثبات على المبدأ كان بالنسبة لي وللمشرف على البرنامج أهم.. وحدث شيء مماثل مع الأستاذة نوال السعداوي التي طلبت أن تتحاور مع شيخ الازهر كشرط في اشتراكها في البرنامج... كانت وجهة نظرها أنها تحتاج إلى شخص على نفس المستوى العقلي والثقافي.. وباءت محاولاتي لإقناعها بالاشتراك في البرنامج بالفشل واضطررت لتغيير موضوع البرنامج برمته.... واعتقد أنها لم تنس لي أبدا هذا الموقف وترفض حتى اليوم أن أجري معها أي حوار... أحترم السيدة وأحترم رأيها واختياراتها لكني لم اندم على احترام قواعد مهنتي كما أرها وافهمها.. فعلى الرغم من أن الظاهر أن البرنامج يحتاج إلى ضيوف يضيفون إليه ويثرونه ويكون بالتالي محل نقاش في الدوائر الاعلامية إلا أن الواقع يؤكد أن ضيف البرنامج في الواقع هو الذي يحتاج هذه الفرصة (المتمثلة في الظهور الاعلامي) في التعبير للجمهور عن قناعاته وشرح وجهة نظره.. مجرد إدراك هذه الحقيقة هي مكمن قوة الإعلام... هذا بالطبع إذا ما أدرك القائمون عليه ذلك.. لكن يبدو أن هذه الحقيقة غابت عن الكثيرين من الإعلاميين في مصر في الآونة الأخيرة وخاصة من المذيعات... فإحداهن قامت بإجراء حوار مع أحد الإسلاميين من وراء ستار وقدمت للفقرة على اعتبار أنها "سابقة" في تاريخ الاعلام!! والثانية سمحت لتدخل من ضيف برنامجها بالتعليق على ملبسها كونها سافرة وأنها على الرغم من ذلك فهي "كويسة ومحترمة"... والثالثة ارتدت حجابا لمجرد أن ضيف البرنامج السلفي اشترط ذلك.. فبعثت إليها إدارة التلفزيون الرسمي خطاب شكر على مهنيتها!! المشكلة بالطبع ليست في الحديث من وراء ستار أو ارتداء الحجاب أوخلعه فكاتبة هذه السطور. كانت أول من طرح قضية منع المذيعات اللاتي ارتدين الحجاب من الظهور علي شاشات التلفزيون المصري علي أساس أن للانسان الحق في أن يرتدي ما يشاء طالما أنه يتسق مع قناعاته الاخلاقية وطالما أن ذلك ليس نشازا عن المجتمع الذي يحيط به.... لكن المشكلة في أن المذيعات خضعن لشرط مسبق من ضيوف البرنامج وبدون مبرر مهني مقبول.... وهذا الشرط إما أنه جاء في إطار مزايدات للحصول على ما بدا أنه سبق صحفي رغم أن الواقع ينافي ذلك (فالضيوف الثلاثة يدلون بتصريحات بمعدل تصريح كل ثلاث دقائق) أو انه جاء من قبيل الإثارة الصحفية والفرقعة...أوإنه جاء لإرضاء شريحة ما من الآراء الرائجة في الشارع على طريقة الجمهور عاوز كده.... أنا لن أطرح هنا أسئلة بديهية عن تزلف بل وزيف الضيوف الثلاثة من قبيل: ألا يرى هؤلاء الضيوف نساء غير محجبات في الشارع ؟ هل كان سيطلب الضيف من كريستيان امنبور او برباره والترز ارتداء الحجاب قبل أن يقبل أن تجري معه لقاء؟ وهل لو التقى احدهم -والثلاثة يزعمون أنهم يشتغلون بالسياسة- لو التقى مثلا هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية هل سيطلب منها أن تتحدث من وراء ستارة ؟؟؟ وأعود للقول إنه ليست القضية في أن يحاول الضيوف استغلال برنامج ما لتمرير رسالة معينة ولكن القضية في الإعلامي أو الإعلامية الذي يسمح أن يكون مجرد كوبري تمر من فوقه هذه الرسالة...القضية في الأسباب التي تجعل المذيعات يقبلن أن يكون مظهرهن محل نقاش وتفاوض مع ضيوف برنامج أي برنامج... اتباع هذا الأسلوب له آثاره السلبية جدا بل هو مؤشر خطير في الإعلام المصري سواء الرسمي أو الخاص..... فالبرنامج بدلا من أن يكون موضوع النقاش فيه الأسئلة التي ستوجه للضيف وكيف سيجيب عليها أصبح محوره ملبس المذيعة أو حديثها من وراء الستارة.... والمذيعة بدلا أن تكون هي التي تمسك بزمام الأمور وتتطرح الأسئلة بل وتحرج الضيف أصبحت هي المتحرجة المعتذرة عن مظهرها، وهو ما يفترض أنه شيء ثانوي في القصة برمتها. وفي الحالة الثانية اقحمت المذيعة -التي احترمها جدا بالمناسبة- اقحمت سؤالا من الجمهور عن شرعية تحاور ضيفها مع مذيعة سافرة!! مؤشر يدل مع الأسف علي فقدان مصداقية الإعلامي لدى نفسه قبل أي شخص.. فصاحب برنامج ينبغي أن يكون مخلصا لقناعاته المهنية أولا واثقا من نفسه ومن اختياراته ثانيا حتى يكون له بالتالي مصداقية لدى المتلقي... فخلط العام بالخاص ما هو مع الأسف إلا دليل على ضعف المستوى المهني وضعف الثقة بالنفس.... وسؤال أخير هل يمكن أن نتخيل أن يطلب أوباما مثلا من مذيعة محجبة مثلا أن تخلع الحجاب قبل أن يجري معها لقاء؟؟ والسؤال الأهم هل ستقبل المذيعة المحجبة ذلك لمجرد أن تفوز بلقاء مع رئيس أكبر دولة في العالم؟؟