تحتل حقوق الإنسان بشكل عام، المرتبة الأولي في بؤرة اهتمام الإنسان ووعيه، وتحظي لديه بالعناية والرعاية والتقدير، لا فرق في ذلك الاهتمام بين إنسان وآخر، فهي نداء الفطرة والخلق والتكوين تمتزج به وتختلط بدمه وروحه، ولا يشذ من هذا النداء إلا فاقد العقل أوالحياة. وحقوق الإنسان تختلف في مساحتها وقدرها باعتبارات عدة؛ لكن الحقوق (الأساسية الأصلية الفطرية) تظل القدر المشترك الذي يتساوي فيه بنو الإنسان علي مر العصور والأزمان، وتباين الأماكن والمقام والترحال، واختلاف المعتقدات والأديان، بل المرحلة العمرية التي يمر بها. أما ما عدا هذه الحزمة من الحقوق (الفطرية - الأساسية) فالتفاوت بين الناس في استحقاقها كبير، بعضها بحسب الديانة، وبعضها بحسب القانون، وبعضها بحسب الوراثة ، وبعضها بحسب الكفاءة ...الخ الحقوق الأساسية للإنسان والذي يعنينا في هذا المقام هو التأكيد علي أهم هذه الحقوق وهي الحقوق الأساسية للإنسان - أي إنسان - ومدي ما حظيت به من عناية ورعاية وتقدير، بحفظها وعدم الجور عليها أو الانتقاص منها. وتسمي أيضًا الحقوق الفردية، أو الحقوق المدنية باعتبار أن الإنسان عضو في مجتمع، وهو مدني بطبعه، كما تسمي بالحقوق العامة، لاشتراك عامة الناس فيها، وتتلخص فى نوعين من الحقوق: حقوق الإنسان (كإنسان)، وحقوق الإنسان (كمواطن). ولمكانة هذه الحقوق وضرورتها اهتمت دساتير العالم بالنص عليها، وفصلت فيها القوانين والمواد اللازمة لحمايتها وتنظيمها، بل رعايتها. وبات مستقرا أن المساواة القانونية والدستورية في هذه الحقوق هي الضمانة لحمايتها لمستحقيها، وأصبح إقرار الدستور نفسه هو ما يحتاج إلي ضمانة حقيقية ... أهم هذه الحقوق الأساسية هو : حق الحرية - حق الحياة – حق الأمن – حق المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية – حق العمل – حق الملكية - حق التنقل – حق المسكن – حق الاجتماع – حق التعليم – حق المراسالات – حق تداول المعلومات ... وما يتفرع عن هذه الحقوق، وهى تعود إلى نوعين من الحقوق كما ذكرنا: حقوق الإنسان، وحقوق المواطن. جدير بالذكر أن هذه الحقوق أصبحت في الإسلام من البدهية، والثبات، والثبوت بما لا تحتاج إلي أي دليل. ضمانات الحقوق الأساسية هناك آليتان ديمقراطيتان يمكن اعتمادهما لحماية هذه الحقوق: الأولي: آلية التمثيل النيابي. الثانية: آلية الإرادة الشعبية العامة (الاستفتاء). ولما كنا نتحدث عن الحقوق الأساسية فإن الآلية الثانية هي التي تصلح دون الأولي في ضمان حمايتها، وتحديد سبل رعايتها. والاستفتاء علي أحد نوعين: إما أنه استفتاء دستوري: وهو المعني بوضع دستور أو إلغائه أو تعديل بعض فقراته. أو استفتاء قانوني: وهو المعني بالقوانين ذات الأهمية والخطورة والحساسية .. وهناك أنواع أخري تعرف من مظانها . المبادئ الحاكمة للدساتير بين الحقيقة والمزايدة عندى يقين لا يعتريه أدنى ريب بأن هناك مبادئ حاكمة للدساتير التى تحكم الدول والأمم. فالدساتير هى وثائق تتوافق عليها الشعوب بآليات ديمقراطية أو عرفية لتنظيم المشترك العام والتعبير عن إرادة كل الشعب وآماله، وليس للأغلبية السياسية أوالبرلمانية فى أى شعب فرض إراداتها على الأقلية فيما يتصل بتلك المبادئ والتى أتيقن من كونها غير خاضعة لاستفتاء، ولا وصاية عليها من فرد أو شعب أو برلمان، هذه المبادئ هى : حقوق الإنسان( كإنسان وكمواطن ). ويغلب على ظنى أن الأزمة بين أطراف النزاع بكل ما فيها من جدل منشؤها مخاوف وهواجس وسوء ظن مبرر أحيانا وغير مبرر فى كثير من الأحيان إلى درجة تضع أصحابها فى مصاف المشبوهين .. كما أن منشأها الخلط وعدم الفصل بين تلك المبادئ المذكورة - والتى لا تُقَر أو تُلغى بالدساتير التى تصنعها الأغلبية السياسية والبرلمانية - وبين ما كان من صلب عمل تلك الأغلبية وهو: ما يتصل بتنظيم تلك الحقوق على أساس رعاية مصالح أصحاب الحقوق المذكورة، وتحديد طرق تداول السلطة وتوزيع الثروة ورعاية المال العام، وتحقيق الأمن ،..،..الخ وإذا كان هناك من يبالغ فى هذه المبادئ (حقوق الإنسان واستحقاقات المواطنة) ويضيف عليها ما ليس منها ليتحكم فى الأغلبية ويلغى إرادتها فهو الأحق بالاعتراض وبالرفض بل والمقاومة لما يريد فرضه من إضافات ، لا تجعل لإرادة الأغلبية قيمة. على أن إرفاق المبادئ الحاكمة للدساتير وهى : حقوق الإنسان (كإنسان وكمواطن ) بالمبادئ الدستورية وهى: المتعلقة بتنظيمها ورعايتها - هو من قبيل الحماية القانونية لها وليس من قبيل صلاحيتها للنقض والإلغاء. الاستفتاء علي التعديلات الدستورية بمصر قامت الثورة بمصر، وسقط الدستور، وأصبحنا أمام شرعية ثورية (شعبية) في مقابل شرعية دستورية سقطت بسقوط النظام ، وأصبحت مقاليد الأمور بيد المجلس العسكري الذي حظي بمباركة الثورة ورضاها ، فقدم نفسه علي أنه امتداد لها يرعي أمرها ويحفظ شئون البلاد . ولما كان سقوط (النظام) هو المطلب الذي (توحدت) حوله الجماهير - كانت المواد الدستورية ذات الطابع السياسي (فقط) هي التي تم استثناؤها بالسقوط بشكل يقيني من سائر مواد الدستور . فليس صحيحا أن الدستور سقط كاملا !! فحسب تصريحات خبراء القانون الدستوري ، وعلي رأسهم المستشار طارق البشري والدكتور محمد سليم العوا : أن من مواد الدستور مالم تسقطه الثورة ، لأنه لايدخل في المواد ذات الطابع السياسي ، والمرتبطة بسقوط (النظام). فلم تسقط المواد المنظمة لحقوق الإنسان أو المواد ذات الطابع الحقوقي في مجال الجنايات أوالعقود والمعاملات .. من هنا كان علي المجلس العسكري أن يقوم بإجراء تعديلات علي (بعض أبرز) المواد ذات الطابع السياسي والتي تمهد بآلية واضحة ومحددة لإجراء تعديلات علي باقي أبرز هذه المواد .. وإن كان المنصوص عليه – خروجا من شبهة سقوط الدستور كاملا عند البعض – أن هذه التعديلات تمهد لإجراء وضع دستور جديد . نفهم الآن أنه لامبرر لما شنه البعض من هجوم علي بعض أعضاء لجنة تعديل الدستور، وعلي رأسها المستشار طارق البشري ، والأستاذ صبحي صالح، بوصف الأول من الإسلاميين والآخر من الإخوان؛ فلا مبرر لهذا الهجوم لسببين: الأول: أنها لجنة وضعت لاعتبارين أكاديمي وفني وهو ما توزع علي أوصاف الأعضاء. الثاني: مقاصدي، فلم تكن مهمة اللجنة تعديل المواد ذات الطابع الأيديولوجي والعقدي أو ذات الصلة بهوية الدولة ومواطنيها. ثم إن هذه اللجنة لم يكن ما أقرته من تعديلات ملزما إلا بعد الرجوع إلي الشعب واستبيان إرادته بالاستفتاء الشعبي العام . يترتب علي ذلك أمران: 1-الحيادية في طبيعة عمل هذه اللجنة. 2-قوة نتيجة الاستفتاء الذي جري علي مواد التعديلات. وأزعم – وللقارئ أن يتثبت – أن قوة نتائج الاستفتاءات تفوق في إلزاميتها أي نوع من أنواع نتائج الآليات الديمقراطية الأخري ، بما في ذلك آلية التمثيل النيابي.