السؤال الذي يطرح نفسه الآن: كيف نضمن تشكيلا صحيحا للجمعية التأسيسية للدستور ؟ وكيف تكون هذه الجمعية معبرة عن مختلف فئات الشعب المصري وطوائفه ؟ ثم كيف نضمن عدم استئثار فئة بعينها بتشكيل الجمعية, وكيف نضمن إعداد دستور جديد وعصري للبلاد ينقلها من زمن الديكتاتورية إلي زمن الحرية, والديمقراطية, والعدالة الاجتماعية, وهي المبادئ التي قامت من أجلها ثورة52 يناير المجيدة ؟ للدساتير كما يقول الدكتور حسام لطفي أستاذ القانون بكلية الحقوق جامعة بني سويف3 طرق الأولي: هي المنح كأن يمنح الحاكم شعبه دستورا مثل دستور3291, والثانية هي الجمعية التأسيسية: وتعني انتخاب هذه الجمعية, والطريقة الثالثة هي طرح مسودة أو أكثر للدستور علي الشعب, ويختارها في استفتاء عام.. والمطلوب الآن هو انتخاب أو تعيين جمعية تأسيسية لعمل مسودة للدستور يتم طرحها علي الشعب في استفتاء عام بعد طرحها للنقاش المجتمعي, ويميل المجلس العسكري وفقا للاعلان الدستوري الصادر عنه إلي إجراء انتخابات برلمانية, ثم رئاسية, ومن ثم اختيار الجمعية التأسيسية للدستور, بينما يفضل رجال القانون البدء بالدستور أولا قبل الانتخابات البرلمانية, لأننا لو بدأنا بانتخاب البرلمان بمجلسيه, وانتخبنا رئيسا جديدا للجمهورية, ثم شرعنا في وضع الدستور الجديد, فهذا يعني أنه بحلول13 يونيو المقبل سوف نبدأ جولة جديدة من الانتخابات البرلمانية والرئاسية, أي أن نواب البرلمان, والرئيس سوف يقضون في مقاعدهم أقل من عام, وقصر مدة الحكم سيؤدي الي شيوع الفوضي, ومن الضروري العمل علي إعداد دستور عصري علي أساس نظام ديمقراطي نيابي, وليس علي أساس رئاسي نيابي, بمعني أن سلطات البرلمان فيه تكون أوسع وأشمل من سلطات رئيس الجمهورية.. وذلك كله يجب أن يتم قبل إجراء الانتخابات, حتي لا نضطر لإجراء انتخابات أخري خلال هذه الفترة القصيرة, في حين أننا ننشد الاستقرار. أما الجمعية التأسيسية للدستور, فيجب أن تضم ممثلين من الجامعات, وغرف التجارة والصناعة, والاتحادات العمالية, والجمعيات الأهلية, ومن ثم يتم اختيار لجنة مصغرة من أساتذة القانون الدستوري, السياسي, والاجتماع السياسي, علي أن تعمل هذه اللجنة المصغرة علي وضع مسودة الدستور, ثم تقوم الجمعية التأسيسية بمناقشتها, وصولا إلي مسودة نهائية, تعرضها للنقاش المجتمعي لمدة شهرين مثلا ثم تعود هذه المسودة, وما ستتضمنه من مقترحات خلال النقاش المجتمعي, الي الجمعية التأسيسية مرة أخري, بحيث تقرر ما إذا كانت سوف تستبعد هذه المقترحات أو تقرها, ثم تعود هذه المسودة بعد إقرارها من الجمعية التأسيسية إلي اللجنة المصغرة ليقتصر دورها علي الصياغة فقط, ثم يتم طرح هذه المسودة في صورتها النهائية في استفتاء عام علي الشعب لإقرارها. وبشكل عام, فإن المبادئ الحاكمة للدستور كما يقول المستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض السابق تم النص عليها في مواد الإعلان الدستوري بدءا من المادة1 حتي المادة24, وإذا التزمت الجمعية التأسيسية بهذه المواد, وغيرها من المواد ذات الصلة الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الانسان, والمواثيق الدولية ذات الصلة, فإننا لن نحتاج الي صياغات جديدة للدستور الجديد. وعلي ذلك, فإنه من الضروري تعديل المادة60 من الإعلان الدستوري بحيث يتم النص فيها علي أن تلتزم الجمعية التأسيسية بالمواد الواردة في الاعلان الدستوري الحالي بدءا من المادة1 وحتي المادة24, ويجب أن يتضمن التعديل المقترح النص أيضا علي أن يتم اختيار الجمعية التأسيسية للدستور, والتي ستضم نحو100 شخصة, ممثلين من النقابات المهنية, والمجلس الأعلي للجامعات, والمجلس العسكري, والمجلس الأعلي للشرطة, والجمعية العمومية للمحكمة الدستورية, ومحكمة النقض, والمحكمة الإدارية العليا, ومنظمات المجتمع المدني, المجلس الإسلامي, والكنائس, والمثقفين, والإعلام, والعمال, والفلاحين, ورجال الاقتصاد, ومنظمات المرأة, وغيرهم ممن يمثلون مكونات المجتمع المصري من خلال هيئاته ومؤسساته الممثلة له, وبهذه الطريقة سوف يصبح الشعب شريكا في اللجنة التأسيسية. ضمانات حقيقية الدكتور عاطف البنا أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق جامعة القاهرة.. قال أن الشعب أصبح واعيا, وراغبا في الممارسة السياسية أكثر من أي وقت مضي, وقد تابعنا كيف شارك نحو18 مليون مصري في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية الأخيرة, وأتصور أن يشارك نحو30 مليون مواطن في التصويت علي الانتخابات من إجمالي نحو40 مليونا لهم حق التصويت. والأمر كذلك, فإن البرلمان المقبل, والذي سيكون معبرا عن إرادة شعبية إلي حد كبير, سوف ينتخب جمعية تأسيسية تمثل الشعب بشكل حقيقي, والحقيقة أنني لا أعرف تمثيلا للشعب بغير انتخابات.. أما اجتهاد بعض القوي السياسية, والأحزاب, والمرشحين المحتملين للرئاسة في وضع تصورات لمبادئ حاكمة للدستور, فهو أمر محمود, وقد يكون له حيثية من الناحية السياسية ولكن لا حيثية له من الناحية القانونية, إذ إنه لا وثيقة دون جمعية تأسيسية منتخبة, ويستفتي عليها الشعب, ولا أعتقد أن يخرج هو أو الجمعية التأسيسية عن المبادئ العامة التي تقر قواعد الحرية والديمقراطية, وتضمن الحقوق السياسية والمدنية للمواطنين. وإذا كان البعض يتخوف من حصول فصيل سياسي معين, علي الأغلبية البرلمانية, ومن ثم يضع تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور وفق هواه وإرادته, فإن هذه المخاوف ليس هناك ما يبررها, وهذا الأمر لن يتحقق في البرلمان المقبل, حيث لن تكون هناك أغلبية لأحد, لأن الحزب الوطني لم يعد له وجود, كما أن جماعة الاخوان لن تحصل علي أكثر من53% من المقاعد علي أقصي تقدير, ومن ثم فإن الضمانة الحقيقية هي برلمان يأتي بإرادة شعبية حقيقية, وفق انتخابات حرة نزيهة.