إذا كان "العزل" السياسي يحتاج إلى "قانون" ملزم للسلطة السياسية وبموجبه يمنع كل من "تورط" في قضية فساد مالي أو سياسي من المشاركة في السياسة لمدة محدودة، فان مهمة "العزل" الاجتماعي تحتاج إلى وعي المجتمع وتوافقه على إصدار "وثائق شرف" تمنع - أيضا - هؤلاء من ممارسة العمل العام، وتحفز الناس على مقاطعتهم ونبذهم؛ عقاباً لهم على ما ارتكبوه بحق المجتمع والناس. في مصر، مثلا يتوجه النقاش العام الآن حول قانون جديد اسمه قانون الغدر أو "العزل"، ينص على معاقبة كل من تولى شأناً عاماً وارتكب أي عمل من شأنه إفساد الحكم أو الحياة السياسية والإضرار بالمصلحة العامة من خلال مخالفة القانون أو استخدام النفوذ للحصول على منفعة بالحرمان من حق الانتخاب والترشح، وقبل ذلك العزل من الوظيفة ومنعه من توليها لمدة أقلها خمسة أعوام من تاريخ صدور الحكم. في تونس أيضا، صدر مرسوم ينص على "منع كوادر حزب التجمع الدستوري الديمقراطي" – وهو حزب بن علي – من الترشح لعضوية المجلس التأسيسي الذي جرى انتخابه الأسبوع الماضي، وقد شمل القرار كل من تحمل المسؤولية خلال السنوات العشر الأخيرة وتورط في مناشدة "الرئيس السابق" لانتخابات عام 2014 حتى لو لم تثبت أي تهمة ضدهم، ورغم أن بعض هؤلاء "تسربوا" إلى الانتخابات تحت لافتة "العريضة" الشعبية إلا أنه تم "إسقاطهم" بقرار رسمي بعد إعلان النتائج. ما حدث في مصر وتونس، وربما لاحقاً في ليبيا واليمن، يبدو مفهوماً في سياق "الثورات" التي رفعت شعار "إسقاط النظام"، حيث لا يمكن إقامة نظام جديد مع بقاء الأشخاص والأدوات التي أسهمت في إنتاج غضب الناس ودفعتهم إلى الإصرار على التغيير، وعلى خلاف ما حصل في العراق حين تم إصدار قانون "اجتثاث البعث" بصورة متسرعة (جرى بعد ذلك مراجعة له) اختار المصريون – مثلا – مبدأ "العزل" لمدة محدودة تسمح للدولة بأن تنتقل إلى "عهد" جديد لا يشارك فيه الذين تسببوا في "إفساد" السياسة المصرية أو أضروا بمصلحة البلد، فيما اختار التونسيون "حرمان" مَنْ ساند الرئيس المخلوع وطالبه بالترشح للرئاسة من خوض الانتخابات. القانون قد يكون جزءا من الحل، ومهما يكن الحكم الذي يصدر بموجبه وما يترتب عليه من "عقاب" ضد من "عبث" بالمصلحة العامة، فإنه يبقى محدوداً، ويمكن "الالتفاف" عليه، خاصة إذا ما تذكرنا أن لهؤلاء من النفوذ والسلطة ما يمكنهم من "اللعب" مجدداً من وراء واجهات أخرى، أو توكيل أخرين لممارسة السياسة بالنيابة عنهم، أو عبر وسائل أخرى تدخلهم من "الشباك" بعد أن ظن القانون أنه أخرجهم من "باب" السياسة والعمل العام. الحل البديل أو الإحقاقي – إن شئت – هو تفعيل "العرف الاجتماعي" إذ أن بمقدور المجتمع أن يعاقب هؤلاء "بصرامة" أكثر وأن يجردهم من امتيازاتهم وتأثيرهم، ويحرمهم من الدخول إلى "الحياة العامة" التي أسهموا في إفسادها، أما كيف يمكن أن يتم ذلك؟ فأعتقد أن لدى مجتمعاتنا العربية عشرات "الوسائل" ناهيك عن الافكار والمبادرات لإنجاز هذه المهمة. باختصار، الثورات العربية اختارت أدواتها لتدشين مشروع "التغيير" الذي نهضت اليه وضحّت من أجله وكان القانون أحد هذه الأدوات، لكن ماذا عن البلدان التي اختارت "الإصلاح" من داخل النظام؟ هل يمكن "للعزل" الاجتماعي أن يبعد كل شخص تورط في "الفساد" من المشاركة مجدداً في الحياة السياسية؟ وهل يمكن أن يعاقبه بما يكفي لضمان حياة سياسية "خالية" من "الوجوه" التي أفسدت كل شيء؟ دعونا نجرب! ---------------------------------- عن صحيفة الدستور الأردنية