مواطنون أبرياء استهلكت آدميتهم فى وطن لا يعبأ بحق الإنسان في الحياة, فتحللت أجسادهم قبل موتها وبقيت نفوسهم تعيش على صدقات القبور، هكذا هو حال الفقراء والمهمشين الساكنين بجوار الأموات في مقابر البساتين، الذين يعانون من شظف العيش ويفتقرون إلى أبجديات الحياة الآدمية فلا مال ولا عمل ولا أمل. "المشهد" استمعت إلى ساكنى قبور البساتين فجاءت كلماتهم كحشرجات موتى تهفو نفوسهم الى امل يعود بهم للحياة. "جميعنا نسكن المقابر الخاصة والتى يمكن طردنا منها للشارع فى اى وقت" هكذا بدأ سيد على -احد ساكنى المقابر- حديثه الذى أكد من خلاله ان الجميع هنا يعيش على عطايا اصحاب المدافن السنوية وصدقات الزائرين فلا وجود لمصادر رزق اخرى وهذا ما يضطرنا فى بعض الاحيان لتسول طعام اطفالنا، وهذا ما أقرت به رؤية عبد اللطيف- ام لأربعة أبناء أميين- والتى قالت "أعانى طوال اليوم لأطعم أولادى وكان نفسى اعلمهم... بس اجيب منين؟ ربنا العالم بالحال". رضا شافعى -أحد شباب القبور- قال ل"المشهد" "بقالى 4 سنين بدور على شغل لكن كله بيرفض يشغلنى لما يعرف انى من هنا وحتى بعد الثورة قدمت فى وظائف الحكومة لكن مفيش حاجة حصلت.. مهو يا تدونا شغل نقدر نوفر منه وناخد سكن يا تدونا سكن لا يرفضه اصحاب المصالح والشركات لكن لا ده ولا ده معناه اننا هنفضل كده طول عمرنا". وهذا ما اتفق معه سعيد حمدى -أب ل6 ابناء- والذى قال والدموع تملاء عينيه "كان عندى عربية اجرة وكنت قادر اصرف على ولادى لكن رخصتها خلصت ولما روحت اجددها لقيتهم عايزين 4000 جنيه. طب اجيب منين؟ ومن وقتها وانا عايش على الصدقات". الخدمات هنا منعدمة تماما فلا وجود لأى مدارس سوى بمنطقة الخليفة والتى تبعد 50 كم عن المقابر واقرب مستشفى للمنطقة هى "احمد ماهر التعليمي" بالحلمية وذلك بعد غلق مستشفى الخليفة منذ اربعة اشهر... الجمعيات الخيرية تقوم بجهود مستمرة لمساعدة اهالى المقابر على مواجهة الظروف الحياتية ولكن قدراتها الضئيلة تصطدم بالكم الهائل من مستحقى الاعانات التى يتجاوز عددهم الربع مليون نسمة. هذا ما أكده محمد موسى -عضو جمعية الكحلاوى للخير- المشهرة برقم 5837 الذى اوضح ان الجمعية ترعى 1000 اسرة تسكن المقابر بصورة مستمرة وذلك عن طريق امدادهم بالطعام بصورة شهرية والكساء على فصلي الشتاء والصيف والرعاية الصحية بالمستشفيات المتعاقدة مع الجمعية. واستطرد قائلا "ولكن كل هذا غير كاف فنحن لدينا قائمة بها 500 حالة مماثلة للحالات التى نرعاها ولكننا غير قادرين على مساعدتها بسبب نقص الامكانيات ولذا نحاول عقد اتفاقيات جديدة مع بنك الطعام المصرى وبالاشتراك مع الشئون الاجتماعية لمساعدة هؤلاء الأهالى ونحن كجمعيات نعلم قدر معاناة هؤلاء الأهالى نطالب الحكومة بوضع خطة عاجلة لتهجيرهم الى مساكن آدمية وخاصة انه ليس هناك دولة بالعالم يسكن مواطنوها المقابر". ياسر علام -رئيس جمعية نهضة المجتمع- قال ل"المشهد" "منذ عامين قدمت مؤسسة تبارك التركية مشروعا لتطوير منطقة المقابر بالكامل دون تكليف الحكومة اى اموال ولكنه ظل حبيس الادراج ولم ير النور بسبب تعنت مسئولى الحكومة انذاك". اكمل "علام" "المشروع كان يهدف الى ازالة 30% من المقابر ليتم بناء بدلا منها 1000 وحدة سكنية تستوعب 65% من اهالى المقابر كمرحلة اولى خاصة وان السكان بالكامل لا يعيشون الا على 10% فقط من اراضى المقابر وهذا ما سيمكننا من اعادة تأهيل الأهالى الذين تتعدى أمية القراءة والكتابة فيهم ال65% ونرعاهم صحيا بصورة لائقة فالمستوصف الوحيد المجانى والذى كان مقره مسجد الامام الشافعى استولت عليه الاوقاف وحولته الى مكاتب تابعة لها". وهذا ما لقى رفضا شديدا من حسين عبد الغنى -امام مسجد الجمعية الشرعية بالمقابر- الذى قال ان هذة المقابر اسلامية ولا يجوز انتهاك حرمتها من اجل اقامة مساكن للأهالى والحل هو تهجيرهم الى مناطق اخرى تكفل لهم حياة كريمة خاصة وان احوالهم متدهورة للغاية وهذا ما يدفع الجمعية الى تسخير كل قواها لمساعدتهم. واكمل عبدالغني قائلا "ان جهود الجمعية تتنوع بين كفالة الاطفال الايتام وتشغيل امهاتهم واعانة المعاقين وتيسير زواج الفتيات ومحو الأمية. منوها ان الجمعية تتحمل اسبوعيا تكاليف غسل كلى لعشرين حالة. مقابر البساتين بعيدة كل البعد عن اهتمام الاحزاب والحركات السياسية نظرا لكونها تتبع دائرة انتخابية متشعبة. تضم كلا من "المنيل والخليفة ودار السلام ومصر القديمة " وهذا ما يجعلها لا تتمتع بمقومات الجذب السياسى وعلى الرغم من انتشار لافتات الاخوان المسلمين بالمنطقة فإن تواجدهم يكاد لا يذكر بشهادة أهالى المنطقة. محمد العقاد -مرشح مستقل لمجلس الشعب- قال ل"المشهد" إن الجميع يتعامل مع هذه المقابر وكأنها "عار" للدائرة فجولات المرشحين لا تظهر هنا لعدم وجود بطاقات شخصية لأغلبية الأهالى وأنا أرفض هذا المنطق الذى يكرس المنفعة السياسية التى لا تقدر المعاناة الحياتية لهؤلاء المواطنين. فى طريق العودة استوقفت سيدة عجوز "المشهد" قائلة "أحملكم رسالة، قولوا للمشير ما يعملش زى مبارك ويخلينا نأكل من الزبالة".