شاركت يوم أمس في وقفة احتجاجية أمام نقابة الصحفيين احتجاجا على الرقابة العسكرية التي عادت مرة أخرى على الصحف بعد ثورة يناير التي يفترض أنها أنهت كل أشكال الوصاية والرقابة على الصحف ووسائل الإعلام. خلال أسبوع واحد تقريبا تعرضت الصحف وبعض القنوات الفضائية لهجمة مرتدة من المجلس العسكري عانت منها صحف صوت الأمة وروز اليوسف والفجر، وشهدت اقتحام مقر قناة الجزيرة مباشر مصر وبعثرة محتوياتها واحتجاز أحد الإعلاميين بها لبعض الوقت، حتى وصلنا إلى توجيه انذارات عسكرية لبعض القنوات الفضائية لمنع إذاعة أي أخبار أو تقارير خاصة بالمجلس العسكري قبل اعتمادها من الرقيب العسكري. هل يعقل أن يتم كل ذلك بعد ثورة يناير العظيمة التي أطاحت برأس الدكتاتورية ورموز القهر السياسي والإعلامي؟! هل يتوقع المجلس العسكري أن يسكت الشعب المصري والإعلاميون المصريون على تكميم أفواههم مرة أخرى حفاظا على هيبة هذا المجلس الذي يحكم مصر الآن؟! هل يعقل أن تعود عقلية نظام مبارك في تكميم وسائل الإعلام مرة أخرى من قبل من يفترض فيهم حماية الثورة وقيمها وأهمها حرية التعبير وتدفق المعلومات؟!. الذين أصدروا تعليماتهم بوقف طباعة بعض الصحف، أو منع القنوات الفضائية من نشر أخبار تخص المجلس العسكري دون إقرارها من الرقابة العسكرية، لايزالون يعيشون أجواء وعقلية ما قبل 25 يناير، هؤلاء القوم عاشوا حياة خاصة قبل الثورة تمتعوا خلالها بقداسة وحصانة لايتمتع بها أقرانهم في الدول الديمقراطية، وهذا أمر لم يعد مقبولا بعد الثورة، ولن يسمح الشعب الذي ضحى بمئات الشهداء في سبيل حريته أن تعود هذه القداسة والحصانة مرة أخرى. أختلف طبعا مع ما تنشره بعض الصحف من مبالغات غير موثقة، ولكنني أرفض بكل تأكيد أن يتم التعامل معها بطريقة عسكرية، وأطلب أن يتم مساءلة المخطئ بطريقة قانونية طبيعية، وقبل ذلك أن يسمح ولاة الأمر بتدفق المعلومات بكل شفافية حتى لا يضطر الصحفيون والإعلاميون للتخمين وترديد بعض المعلومات المنقوصة الذي يورد بعضهم موارد الخطأ أحيانا. من المفارقات أن تتم هذه الهجمة على الصحافة والإعلام في وقت يستعد الصحفيون لأول انتخابات بعد الثورة لاختيار نقيب ومجلس نقابة جديدين يعبران عن صحافة يناير التي تسعى لكسر ما تبقى من قيود فرضتها تشريعات سابقة من مخلفات نظام مبارك خاصة تلك النصوص التي تتعلق بالعقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر، وتلك المتعلقة أيضا بحرية تدفق المعلومات، الرسالة إذن خاطئة سواء من حيث المضمون أو التوقيت، وعلى أصحاب هذه الرسالة أن يثوبوا إلى رشدهم سريعا قبل أن تشتعل ثورة الصحافة والإعلام والتي كانت بدايتها مبادرة الأعمدة البيضاء.