الهجمة الشرسة على وسائل الإعلام المقروءة والمرئية باتت تمثل خطراً محدقاً،وأثارت تساؤلات عديدة ؛فسرها المراقبون بأنها حملة يقودها الحرس الجديد بالحزب الحاكم فى مصر لتكميم الأفواه ؛بعد اقتراب الانتخابات البرلمانية والرئاسية . وهذا ما أكده الكاتب الصحفى إبراهيم عيسى رئيس تحرير جريدة الدستور السابق ، ففسر قرار إقالته ؛فى حديثه لقناة الجزيرة أمس بأنه يأتي في إطار حملة تكميم أفواه الصحافة المصرية مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية . وأضاف أن الوضع عاد إلى ما كان عليه قبل عام 2005 وقبل ظهور الفضائيات والصحف الخاصة وحركة كفاية المعارضة ، عدنا إلى مربع الصفر والخطوط الحمراء ". وتابع أن التساؤلات التى طرحتها نقل ملكية صحيفة الدستور إلى الدكتور السيد البدوى رئيس حزب الوفد بأنه سيتم تغيير رئيس تحرير الصحيفة وسياساتها التحريرية باتت إجابتها واضحة وصار ما كان متوقعاً حقيقة ملموسة للجميع. وتحدث في هذا الصدد عما أسماه ب"الساحر" الذى ظهر فجأة على مسرح الأحداث المصرية ، قائلاً : "الساحر واحد من الشخصيات موجود حالياً فى النظام القائم سيخرج علينا بترتيب جديد غير معلوم لأحد. هدفه تكميم الأفواه والرجوع بالدولة إلى ما قبل 2005 والحقيقة أن ذلك يعيدنا إلى المربع صفر من جديد". الكارثة التى تواجه المعارضة وأصحاب الأقلام فى مصر قرار الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات حول فرض ضوابط جديدة للرقابة على خدمة رسائل المحمول الدعائية والإخبارية التى ترسلها عدد من الشركات إلى المتلقين من مستخدمي أجهزة الهاتف المحمول ،وهى وسيلة أخرى من وسائل تكميم الأفواه مع اقتراب الانتخابات البرلمانية والرئاسية ، خاصة وأن خدمة الرسائل القصيرة حققت نجاحا وانتشار كبيرا في مصر مؤخرا واستخدمتها المعارضة المصرية للدعاية لأنشطتها ، بالإضافة إلى أن الجهات التي ترسل الرسائل معروفة ويمكن محاسبتها وفقا للقانون إذا ارتكبت أي مخالفات دون الحاجة لفرض مثل تلك القيود. وفي المقابل ، تنفي مصادر حكومية مصرية تماما صحة ما سبق وتؤكد أن الأمر ليس له علاقة من قريب أو بعيد بالتضييق على وسائل الإعلام وإنما هو محاولة لضبط الأمور بعد رصد بعض المخالفات لشروط التراخيص الممنوحة لبعض القنوات الفضائية الخاصة ، هذا بجانب الحفاظ على الوحدة الوطنية بعد أن قامت بعض الصحف والقنوات ببث مواد ذات طبيعة دينية متطرفة أو تدعو إلى الطائفية أو العنف أو السحر والشعوذة ومخالفتها بالتالي مواثيق الشرف الإعلامي ، ولعل كلمة الرئيس حسني مبارك التي وجهها إلى شعب مصر بمناسبة الذكرى السابعة والثلاثين لانتصارات أكتوبر المجيدة كانت بمثابة رسالة تحذير واضحة لبعض وسائل الإعلام التي تجاوزت الخطوط الحمراء مؤخرا فيما يتعلق بالعلاقة بين المسلمين والمسيحيين . فالرئيس مبارك أكد حينها أن المساس بالوحدة الوطنية خط شائك وخطر لن يسمح لأحد بتجاوزه ، قائلا :" على من يزرعون الفتنة ويشعلونها ويغذونها أن يدركوا تماما أن أحدا ليس فوق الدستور والقانون وسوف نتصدى بكل الحسم لمحاولات الوقيعة بين جناحي الأمة ". بل إن جهات حكومية بررت أيضا تشديد الرقابة على خدمة رسائل المحمول الدعائية والإخبارية بالسعي للحد من ترويج أفكار تهدف إلى إثارة الفتنة الطائفية والتلاعب بالبورصة ، مشيرة إلى لجوء عدد من الشركات المسجلة في البورصة المصرية إلى استخدام مثل تلك الرسائل الدعائية بشكل غير مسئول ، مما أدى إلى "تضارب وفوضى في عمليات التداول". وأيا كانت صحة أي من التفسيرين السابقين ، فإن الأمر الذي لاجدال فيه أن هناك حاجة ملحة للحوار بين الحكومة المصرية ومعارضيها لوضع حد لمثيري الفتن ومعالجة القضايا التي تؤرق المواطن البسيط وعلى رأسها البطالة والارتفاع الجنوني للأسعار . وبالنسبة لما يتردد عن التضييق على وسائل الإعلام بسبب اقتراب موعد الانتخابات فهو أمر لا يخدم الحكومة بل إنه قد يزيد من حدة الغضب الشعبي ضدها خاصة في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتردي الأحوال المعيشية ولذا فإن بعض القنوات الفضائية والصحف والشركات المتضررة من القرارات الأخيرة أمامها خياران : إما الحوار مع الحكومة لحل نقاط الخلاف أو اللجوء للقضاء . الجدير بالذكر أن الشارع المصرى فوجىء في الأسابيع الأخيرة بعدة قرارات استهدفت وسائل الإعلام من أبرزها توقف برنامج "القاهرة اليوم" الذي يقدمه الإعلامي عمرو أديب ثم الصدام بين إبراهيم عيسى رئيس تحرير صحيفة "الدستور" والدكتور السيد البدوي رئيس مجلس الإدارة ، مرورا بقرار حظر بث وإذاعة فعاليات المحاكمات وتحقيقات النيابة وقرار وقف بث رسائل الأخبار ال"sms" إلا بعد حصول الشركات على تراخيص ، وأخيرا إغلاق عدد من القنوات الفضائية على القمر الصناعي المصري "نايل سات" ومطالبة الخدمات التليفزيونية والقنوات الفضائية مثل : قنوات خليجية و الحافظ والصحة والجمال وقناة الناس بعدم استخدام وحدات البث المباشر إلا بعد الحصول على موافقة كتابية من اتحاد الإذاعة والتليفزيون . كما تقرر توجيه إنذار لقناتي " أون. تى.فى " التابعة لشركة " هوا ليميتد" وقناة "الفراعين" التابعة لشركة " فيرجينيا للإنتاج الإعلامى" لمخالفتهما أيضا لشروط الترخيص الصادر لهما . وفي تصريحات له للتعقيب على ما سبق ، أكد رئيس الهيئة العامة للاستثمار أسامة صالح أن تلك القرارات تأتى نتيجة رصد بعض المخالفات لشروط التراخيص الممنوحة لهذه القنوات ، مشيرا الى أن مجلس إدارة المنطقة الحرة العامة الإعلامية قام باعداد مراجعة للضوابط العامة والخاصة للعمل بالمنطقة الإعلامية وإضافة بعض الضوابط العامة والمباديء التى يتعين على جميع القنوات الفضائية مراعاتها مستقبلا فيما تقدمه على شاشاتها بهدف ضمان مزيد من الالتزام من جانب القنوات بميثاق الشرف الإعلامى ومباديء العمل بالمنطقة. واختتم قائلا :" إن حرية التعبير لا تعنى تقديم مواد علمية تثير الفتن والكراهية أو تنشر ما هو غير صحيح علميا أو فكريا أو عقائديا بين الناس وإنما الاستفادة من ارتفاع سقف الحريات لتحقيق ما فيه نفع الوطن وصالح المواطنين ".