أنا متوحش, شرس , متربص, و ملىء بالغضب. أنا فلسطينى! انتبهت الى أنى لا أشكو الألم و لا أظهره لأحد! فى البداية اعتقدت أن الأمر يعود لتركيبتى الشخصية المتكتمة و حبى للمظهر الوقور و لكن بعد معاشرتى لقطى اللطيف " أوليفير " أدركت السبب الأكثر تفسيرا لذلك. فقد سقط أوليفير على غفلة من مكان مرتفع و كادت قدمه تنكسر , أسرعت اليه حاضنا و ملاطفا , و لكنه تملص منى و خطا بعيدا و جلس جلسة النمر الهادىء كأن لم يكن شيئا! أراد أن يخبرنى أنه على ما يرام و بأفضل حال. تلك القطط المنزلية , و القطط أنواع , منها الأسد و النمر, تلبستها حالة الفريسة فى الغابة قبل بضع عشرة آلف سنة فأصبح البقاء فى الغابة خطر و تدبر الأكل صعب و فى النهاية المعركة خاسرة . و الشعور بالخطر من أصل غريزة البقاء ,لذا قررت اللجوء إلى الإنسان. حالة الفريسة لازالت فى أوليفير, فقرر إخفاء الضعف حتى لا يلفت انتباه الكائنات المفترسه من حوله, أنا مثلا! أنا فلسطينى غاضب و لكنى غير عاتب , فالعتب انتهى وما عاد له معنى منذ أن تركنى إخوتى العرب وحدى فى غابة الحياة, لهذا لا أظهر الألم و لا الضعف . كلما أحاول الإسئناس بهم ذكرونى بأنى أنتمى للغابة و مفترسيها و على العودة و خوض المعركة بما زودونى به من أسلحة الكلام و دروع الهتاف و غمرونى بوهم الأسد غير العادى و لكنى " مش أسد" , أنا عادى! عند زيارة الإخوة العرب واندماجا مع الدور و الفكرة وتشجيعا لى يرونى فعلا أسد و غير عادى, فتكثر الأسئلة ويطول الإنتظار وتحوم الشكوك و تشرئب الرؤوس و تتفتح الشهية على إكتشاف سر عظيم . فى مصر المحروسة يخفرونى فى موكب مهيب من المطار إلى غزة و لا يتركونى إلا و أنا بين أهلى . فعلا أموت خجلا ! فى الأردن لا يحبون رؤية فروة الأسد و يخافون زئيره و قد وضعوا الأفخاخ فى كل مكان و لم تفلح لأنى و ببساطه مش أسد!، فى لبنان أنا الدليل الوحيد على التطور و الرقى لهذا الشعب الكلاس كتير , وقد قرروا حجزى فى مكان مغلق اتقاء لشرى ومخالبى . أما شعوب الإيمان فى المشرق و التى مشكورة دعمت تنصيبى كأسد , قررت أن تتحاشانى تماما , فلا أخالط أبناءها و لا أدرس فى جامعاتها و لا أتحرك دون رقابة , فمن يترك الأسد وحده فى المدينة؟ هذا كله لا يغيظنى بل أنى أحيانا أنسى نفسى و أعيش حالة الأسد, و لكن ما يوترنى دائما هم الجماهير المتفرجة على الأطراف القصية, اليمن و الصومال و السودان و موريتانيا و النجمة إريتريا, فلا يراهم الأشقاء الكبار و أصحاب القرار ثم يرونى أنا السبب ! أنا من ينافسهم فى الوظائف و النجومية و أنا الأسد عديم الرحمة و أنا الزول اللى واخد الإنتباه كله! يا جماعة أنا مش أسد و لكن الدور فى هذا الفيلم الطويل له لوازمه, و ليس ذنبى أنكم أكثر من يفهم حقائق الأمور أو أن مشاكلكم ليست مقدسة و أرضكم ليست فى رباط إلى يوم الدين! يقولون فى مصر: إن هناك عشرة ملايين مصرى من أصل ليبي, و أن الهكسوس قوم جاؤوا من بعيد , و أنه – زمان - السودانى احتل مصر و الليبى احتل مصر و الفلسطينى ده منعرفوش! حالة نكران تصيب بالهذيان. هناك دائما فلسطينى من أصل سورى أو مصرى و لكن ليس هناك أبدا عربى من أصل فلسطينى . نعم هناك عشرة ملايين مصرى من أصل ليبيى , خاصة إن كنت تغازل القذافى و أموال ليبيا من بعده, و لكن أليس من الطبيعى أن يكون هناك أكثر منهم من أصل فلسطينى, أم أن هذا سيجلب الشبهة على القائد أحمد عرابى و الشجاع أدهم الشرقاوى و العاقل طلعت حرب والصوت النادر لعبد الحليم حافظ و الشخصية الشرقاوية عموما وزعيمها الأخير عبد الحليم قنديل! لكن لا بأس طالما أنكم ترونى أسدا! ويقولون أيضا أن غزة هواها مصرى, شىء جميل, و لكن فليقولوا أيضا أن غزة هى من ساهم بإدخال اللغة العربية لمصر وربطها بالعالم العربى و الإسلامى. مصر تتكلم غزاوى و ليس العكس. غزة حجازية كمكة و المدينة, و لكن اللى راح راح و الفلسطينى راح , الفلسطينى .. تحول إلى أسد. إذا زاد الألم و استمر وتكرر فلاداعى للشكوى, بل يصبح الألم أنينا فى ضمير أشقائي , وخز لا يريدونه و لا أتمناه لهم , حاجز يمنعهم من التواصل مع " الآخر" المتطور و حليف الغرب و الشمال و الدنيا و الأمل و كل شيئ. لهذا يقول أحد أشقائى فى أحد المشاهد و زيته مختلط بعرقه " يا أخى حلوا عنا, خلونا نشوف حالنا!" أنا لا أعرف من هو مخرج هذا الفيلم و لا كاتبه و لا تعديلات المشاهد بعد الثورات العربية, فطالما أنى البطل اجيد دورى و أزأر بمهارة فلايهم أن أعرف. فقط كلما خرجت من المشاهد أجد صعوبة فى إقناع الجمهور بأنى مش أسد وأنى فلسطينى عادى ,فقط متوحش, شرس , متربص, و ملىء بالغضب.