يترقب ملايين المسيحيين الكاثوليك حول العالم تصاعد الدخان الأبيض خلال الأيام المقبلة من المدخنة العتيقة لكنيسة السيستينا الشهيرة، إيذانا بانتخاب الحبر الأعظم الجديد، في وقت يواجه الفاتيكان تحديات متمثلة بعلمنة المجتمع واضطهاد مسيحيين وفضائح داخلية. ويجرى انتخاب البابا الجديد في إطار إجراءات معقدة في الكنيسة، التي تواجه صعوبة في إيصال رسالتها إلى العالم الغربي، وتراجعا كثيفا للمسيحية في بعض البلدان وتوترات مع الإسلام وفضائح تحرش جنسي بالأطفال . كما تواجه الكنيسة قضايا فساد بين رجال الدين، حتى لدى الأساقفة، وانقسامات وسوء إدارة في الدوائر الفاتيكانية جسدتها أخيرا فضيحة فاتيليكس لتسريب وثائق سرية. وفي حين أعلن الكرادلة التزامهم الحفاظ على سرية مناقشاتهم، نشرت وسائل إعلام وثائق جديدة تتعلق بفاتيليكس، وتفشت أخبار عن "مجموعة مثلية". وقدم الكاردينال الاسكتلندي، كيث اوبرين، استقالته لاتهامه بتصرفات جنسية مثلية "غير ملائمة"، في وقت اتهمت منظمة قدامى الضحايا الأميركيين للكهنة المتحرشين بالأطفال، 12 كردينالا بالتغاضي والتساهل مع الكهنة المتحرشين بالأطفال. وفي ظل أوضاع غير مسبوقة بعد أول استقالة للبابا منذ 7 قرون، تنتخب الكنيسة الكاثوليكية حبرا أعظم جديدا يتعين عليه مواجهة هذه التحديات. وما لم تحصل مفاجآت، من المتوقع أن يكون المؤتمر الذي يبدأ الثلاثاء قصيرا، كما قال المتحدث باسم الفاتيكان، الأب فديريكو لومباردي، في تصريح أدلى به أمام حوالي 5 آلاف مراسل. وسينهي انتخاب البابا الاضطراب الذي بدأ في 11 فبراير الماضي لدى الإعلان المفاجئ لبنديكتوس السادس عشر استقالته وهو في الخامسة والثمانين من عمره. وعلل البابا قراراه بتدهور صحته التي لم تعد تسعفه لمواجهة تحديات عالم يشهد تغيرات سريعة. ففي 28 فبراير، ومن دون احتفالات، إنما في أجواء مفعمة بالتأثر، أبلغ يوزف راتسينغر الكرادلة ومن خلالهم الكاثوليك الذين يبلغ عددهم 1.2 مليار نسمة، تخليه عن عصا بطرس، لكنه أكد استمراره معهم في الصلاة. وأغلقت البوابات الضخمة لمقر الإقامة الصيفي في كاستل غاندولفو القريب من روما. وبدأت آنذاك فترة "الكرسي الشاغر". جنسية البابا الجديد ومنذ ذلك الحين انتشرت الشائعات في روما عن البابا الجديد الذي يفترض أن يجمع المواهب الإدارية والخصال القيادية التي تخوله حمل بشارة الإنجيل بحماسة، على أن يكون ضليعا في القضايا اللاهوتية وإصلاحيا حديثا شرط احترام التقاليد. هل سيكون إيطاليا، أوروبيا أو من الجنوب؟ فتوازن القوى مختل، لأن 60 من 115 كردينالا هم أوروبيون (منهم 28 إيطاليا)، ويتحدر 19 فقط من أميركا اللاتينية و14 من أميركا الشمالية و11 من إفريقيا و10 من آسيا وواحد من أستراليا. وفي الأيام الأخيرة، تناقلت وسائل الإعلام أسماء 3 كرادلة باعتبارهم الأوفر حطا للسدة البابوية. وهم الكندي مارك أوليه، والبرازيلي أوديلو شيرر، والإيطالي انجيلو سكولا. وسينهي 115 كردينالا تقل أعمارهم عن 80 عاما، الاثنين "مؤتمرات عامة" أتاحت لهم التعرف إلى بعضهم البعض بشكل أفضل. ولم يشارك 69 منهم في أي مجمع انتخابي. وكانت المناقشات التي أجراها الكرادلة حيوية. فقد طرحت على بساط البحث كل المواضيع بما فيها "تحسين" الإدارة المركزية والإصلاحات، ولاسيما ما يتعلق بدور النساء في الكنيسة. طقوس صارمة وسيدخل الكرادلة الثلاثاء المقبل بطواف كنيسة السيستينا الشهيرة التي رسم جدارياتها الرسام المعروف مايكل أنجيلو. وبموجب طقوس راسخة وصارمة ترقى إلى القرون الوسطى، تقفل الأبواب "بالمفتاح". وسينتخب هؤلاء الكرادلة الذين سينعزلون عن العالم، بأكثرية الثلثين خلف بنديكتوس السادس عشر. وستحرق أوراقهم الانتخابية لمحو أي أثر عن عمليات الاقتراع البالغة السرية، التي لا يستطيع الكرادلة التحدث عنها، حتى بعد فترة طويلة. وبمساعدة من المواد الباعثة للدخان، سيخرج دخان أسود إذا لم يتوصل الكرادلة إلى انتخاب بابا، ودخان أبيض إذا ما اجمعوا على انتخاب خليفة لبطرس. هل تقبل بانتخابك القانوني حبرا أعظم؟ وحتى قبل خروج الدخان من مدخنة كنيسة السيستينا وانطلاق العنان لأجراس كاتدرائية القديس بطرس، سيكون الكاردينال الإيطالي جيوفاني باتيستاري، أول الكرادلة الأساقفة، قد طرح على البابا المنتخب السؤال الآتي: "هل تقبل بانتخابك القانوني حبرا اعظم؟"، وسيجيب بنعم ويختار اسمه الجديد الذي قد يكون بولس أو يوحنا أو يوحنا بولس أو بيوس أو بنديكتوس. وبعد 48 دقيقة، وهي الفترة التي يقسم خلالها الكرادلة يمين الولاء ويرتدي الحبر الجديد ثيابه الجديدة، سيحصل الكاردينال الفرنسي جان-لوي توران على شرف الإعلان باللغة اللاتينية أمام الجموع المحتشدة في ساحة القديس بطرس: "هابيموس بابام (لدينا بابا)" ويكشف عن اسمه. ثم يكشف البابا الجديد الذي يضع نجمة حمراء على كتفيه، وجهه للعالم أجمع.