طالب المجلس القومي لحقوق الإنسان النيابة العامة بإجراء تحقيق في سقوط قتلى ومصابين خلال أحداث يوم 9 /9 واعتبر تفعيل قانون الطوارئ وتوسيع نطاقه إعادة لعقارب الساعة إلى الوراء ورجوعًا عن أهم الأهداف التي قامت من أجلها الثورة. وأكد تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها المجلس لتقصي أحداث جمعة "تصحيح المسار" قلقه الشديد من قيام بعض الأطراف بتحويل مسار الاحتجاجات من الاتجاه السلمى إلى استخدام العنف. وقال التقرير إن إعادة تفعيل جميع مواد قانون الطوارئ رسميًا وتوسيع نطاقها يختزل معالجة أزمة سياسية واجتماعية شاملة فى مجرد الحل الأمنى، كما أن إحالة المدنيين إلى محاكم أمن الدولة العليا طوارئ يظل مشوبًا بافتقاد شروط العدالة وعدم توافر ضمانات المحاكة العادلة. وأكد التقرير الحاجة الماسة للتعجيل بعودة الشرطة للقيام بواجباتها المهنية ودورها فى الحفاظ على الأمن والنظام العام فى إطار احترام حقوق الإنسان، كما أعرب عن القلق الشديد من بدء إجراءات تقييد الحريات الإعلامية التى اتخذتها السلطات المعنية فى أعقاب أحداث يوم الجمعة الماضية، ولاحظ – بقلق – تعجل بعض التصريحات الرسمية فى توجيه اتهامات خطيرة بمسعى جهات داخلية وخارجية لإسقاط الدولة المصرية دون انتظار نتائج التحقيقات أو تقديم الأدلة على صحة هذه الاتهامات، وذلك فى سياق حملة تستهدف تشوية المسار السلمى للثورة والانتقاص من وطنية الثوار . وهذا نص التقرير:
تقرير لجنة تقصى الحقائق بالمجلس حول أحداث يوم التاسع من سبتمبر 2011
أثارت أحداث التاسع من سبتمبر (جمعة تصحيح المسار) بمقدماتها، وتطوراتها، وعواقبها أسئلة كثيرة لدى العديد من المواطنين تستدعى البحث عن إجابات خصوصًا فى نمط الاعتداءات التى تعرضت لها مرافق وزارة الداخلية، وبعض الممتلكات الخاصة، واتساع نطاق الإصابات والتى زادت على 1000 إصابة فى ليلة واحدة فى صفوف المواطنين والأجهزة الأمنية خلال الأحداث التى دارت أمام السفارة الإسرائيلية ومديرية أمن الجيزة، وكذا فى معقباتها التى أفضت إلى تفعيل العمل "بجميع" مواد قانون الطوارئ وإحالة المشتبة فيهم إلى محكمة أمن الدولة العليا طوارئ واعتقال العديد من المواطنين، وإغلاق مكتب الجزيرة مباشر (مصر) واعتقال أحد أعضائه. وفى هذا السياق، شكل المجلس القومى لحقوق الإنسان لجنة لتقصى الحقائق برئاسة الأستاذ محمد فائق - نائب رئيس المجلس - والسادة محسن عوض، جورج إسحاق، ناصر أمين، د. عمرو حمزاوي، حافظ أبو سعدة، ومنى ذو الفقار - من أعضاء المجلس - والسادة جمال بركات، نبيل شلبى، أمجد فتحى، إسلام ريحان، معتز فادى، أسماء شهاب، نشوى بهاء، أحمد عبدالله، خالد معروف، كريم شلبى - من باحثى المجلس ومكتب الشكاوى. وتنقل أعضاء اللجنة بين المواقع التى جرت فيها الأحداث والمستشفيات التى نقل إليها المصابون، وأسر بعض المعتقلين، واستمعوا إلى شهادات متنوعة من شهود عيان من مختلف أطراف المواجهات التى حدثت، وتلقوا أفلامًا مصورة لبعض جوانب الأحداث، كما اطلعوا على تقارير المصادر الإعلامية (القومية، والمستقلة، والحزبية) ومقاطع مصورة على شبكة التواصل الاجتماعى "يوتيوب"، كما اطلعوا على بيانات مجلس الوزراء والمجلس العسكرى، ووزارة الداخلية، ووزارة الصحة. وناقش أعضاء اللجنة كل المعطيات التى توافرت لديها نتيجة ذلك وخلصت اللجنة إلى النتائج التالية: - جرت هذه الأحداث فى سياق احتقان متزايد جراء الاشتباكات التى وقعت بين المجموعات المناوئة لمحاكمة الرئيس السابق وكبارمعاونيه بتهمة قتل المتظاهرين، وأسر شهداء الثورة بمقر المحاكمة بأكاديمية الشرطة، وكذلك الاشتباكات التى جرت بين رابطة مشجعى النادى الأهلى "الألتراس" والشرطة أثناء مباراة النادى الأهلى وكيما أسوان يوم 7/9/2011 فى سياق استفزاز متبادل بين الطرفين، والتى أسفرت عن إصابة 133 فردًا من المواطنين ورجال الشرطة، واعتقال عدد من مشجعى النادى، وكذلك تزايد الغضب من عدم اتخاذ الحكومة إجراءات ملموسة تجاه اعتداء القوات الإسرائيلية على ضباط وجنود مصريين أفضى إلى استشهاد ستة منهم ورفضها حتى مجرد الاعتذار الرسمى عن هذه الاعتداءات، حيث اقتصر رد الفعل على إعلان نُشر على صفحة الحكومة المصرية باستدعاء السفير المصرى من إسرائيل ثم تم نفيه، وبناء جدار لحماية السفارة الإسرائيلية تنصلت من قرار إنشائه جميع الجهات الرسمية حتى أقرت محافظة الجيزة بإنشائه فى تفسير زاد من حفيظة المواطنين. - ورغم مظاهر الاحتقان التى ميزت مقدمات الأحداث فقد ظهر قدر كبير من التباين فى تفاعل المواطنين المشاركين فى تظاهرات التاسع من سبتمبر ونوعية المنخرطين فيها، بدا بعضها عفويًا والبعض الآخر منظمًا، كما ظهرت بعض المجموعات المنظمة من الصبية يوجههم عدد من البالغين، وشاركت فى الأحداث عناصر إجرامية مثل الذين تورطوا فى سرقة سيارة الإطفاء والاعتداء على مقر مديرية الأمن بالجيزة، وتحطيم بعض واجهات المحال التجارية ونهبها. - فى سياق أحداث يوم 9/9/2011 بدأ مشهد جمعة "تصحيح المسار" سلميًا ولم يشهد أى خروج على النظام العام رغم قرار السلطة بسحب قوات الجيش والشرطة من منتصف ليلة الجمعة إلى منتصف ليلة السبت، وإن أشارت بعض الشهادات إلى أنه لم يكن هناك تنسيقًا كافيًا من القوى المشاركة فى تنظيم جمعة "تصحيح المسار" حول تأمين الميدان. - لكن بعد الساعة الثانية ظهرًا تغير المشهد إذ اتجهت مجموعات من "ألتراس" الأهلى باتجاه وزارة الداخلية مرددين شعاراتهم المعروفة وهتافات نابية ضد الشرطة والمطالبة بالإفراج عن أحد المتهمين فى أحداث الاستاد ولحق بهم بعض المتظاهرين، وقاموا بتحطيم شعار الوزارة دون محاولة اقتحام مبنى الوزراة ذاته، ثم انسحبت مجموعات الألتراس من أمام الوزارة وبقيت مجموعات قليلة من المتظاهرين واصلت الاعتداء على مبنى الوزارة وقد اعترضهم بعض الشباب الذين حرصوا على الحفاظ على الطابع السلمى للمظاهرات والحيلولة دون الاعتداء على مرافق الدولة -على نحو ما ذكر شهود عيان. - ويفيد بيان إعلامى صادر عن وزارة الداخلية بأنه فى ذات الوقت الذى كان يتم فيه رشق مبانى الوزارة بالحجارة شب حريق محدود بالطابق الأرضى للمبنى الذى يشغله قطاع شؤون الأفراد بالوزارة وتمت السيطرة عليه فى حينه، وتكثف الأجهزة الأمنية جهودها للوقوف على خلفياته. - على صعيد آخر اتجهت عناصر من المتظاهرين إلى مقر السفارة الإسرائيلية حيث قاموا بتحطيم الجدار الذى أقيم من جانب محافظة الجيزة لحماية المبنى الذى تقع فيه السفارة وتفادت قوات الأمن التصادم مع المتظاهرين رغم محاولة إثنائهم عن ذلك، بينما نجح بعض المتظاهرين فى الوصول إلى مقر السفارة عبر عقار مجاور للمبنى وإنزال العلم الإسرائيلى واقتحام المبنى الإدارى الملحق بالسفارة ونثر الأوراق التى عثر عليها داخل المبنى من شرفة المبنى. - اتصالاً بذلك اتجهت مجموعات من المتظاهرين إلى شارع أحمد نسيم الكائن بناصيته مبنى السفارة السعودية حيث كانت توجد عربات وأفراد تابعة لقوات الأمن المركزى وقاموا بإشعال النيران فى سيارات الأمن المركزى، ورافق ذلك رشق السفارة السعودية بالجيزة وتحطيم كاميرات المراقبة وزجاج الواجهة، وحرق سيارتين إحداهما تابعة للسفارة والأخرى لأحد المواطنين. - بالتزامن مع ذلك اتجهت مجموعات أخرى من المتظاهرين إلى مديرية أمن الجيزة المواجه لمبنى السفارة السعودية فى محاولة لاقتحامها من منافذها الثلاثة وإشعال النيران فى سيارات الأمن المركزى المتمركزة أمام المديرية، وإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة على مقر المديرية التى أغلقت أبوابها فى محاولة لتفادى الاشتباك مع المتظاهرين، وانخرط فى محاولة الاقتحام مسجل خطر كان قد استولى على إحدى سيارات الإطفاء وأمكن اعتقاله. - وخلال المواجهات بين قوات الشرطة والمتظاهرين المستهدفين اقتحام مديرية أمن الجيزة وقوات الشرطة المتمركزة حولها، حدثت مصادمات عنيفة بينهما أفضت إلى سقوط العديد من الاإصابات من الجانبين ومقتل بعض المواطنين. الإصابات وقعت خلال هذه المواجهات إصابة 1049 مصابًا بينهم 58 من رجال الشرطة حسب بيانات وزارتى الصحة والداخلية، وتوفى منهم أربعة مواطنين أحدهم جراء التدافع، وثلاث جراء طلقات نارية بالرأس والصدر نقلوا إلى مستشفى أم المصريين والعجوزة، وقد زار باحثوا المجلس مستشفيات (العجوزة، أم المصريين، القصرالعينى)، وتبين لهم انصراف معظم المصابين عقب إجراء الإسعافات العاجلة لهم، والتقوا بالموجودين منهم الذين تعرضوا لإصابات بالغة وحصلوا على شهادات بعضهم. كما تلقوا شكوى من أسرة أحد المصابين حول تأخر تقديم العلاج اللازم لحالته (انفصال فى عظمة الركبة) وتدخل الأستاذ جورج إسحاق لدى السيد وزير الصحة الذى استجاب على الفور لمتابعة الحالة، وأفاد المجلس بأن تأخير عمل الجراحة يعود إلى تلوث الجرح وضرورة معالجة التلوث قبل إجراء الجراحة. وأفاد شهود عيان بوقوع حالات وفاة أكثر من المعلن عنها وحدد أحدهم مشاهدته لمقتل شاب (16عامًا) أمام حديقة الحيوان بعد إصابته بطلق نارى فى الرأس، واتصل مرافقوه بأسرته التى تسلمت جثته وانصرفت به من موقع الأحداث (وقد يفسر ذلك اختلاف أعداد المتوفين التى أعلن عنها فى اليوم الثانى للأحداث عن اليوم الثالث)، ولم يتسنى للباحثين معرفة ظروف مقتل المتوفين الذين قتلوا بالرصاص. تداعيات الأحداث - تم القبض على 38 من المتظاهرين خلال المواجهات، وأكد البيان الصادر عن اجتماع مجلس الوزراء والمجلس العسكرى اعتزام السلطات المصرية إحالة المقبوض عليهم ومن يثبت تورطهم بالتحريض أوالمشاركة فى الأحداث إلى محكمة أمن الدولة العليا طوارئ، وقد ارتفعت أعداد المقبوض عليهم فى اليوم الثانى إلى 130 مشتبهًا به، وقد تلقت اللجنة شكاوى من أسر بعض المحبوسين تفيد بسوء الحد الأدنى لمعاملة السجناء وغيرهم من المحتجزين. - كذلك قرر البيان الصادر عن الاجتماع المشترك لمجلس الوزراء والمجلس العسكرى تطبيق جميع النصوص القانونية المتاحة بقانون الطوارئ الذى كان من المقرر وقفه خلال الفترة المقبلة. - كذلك أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة قرار رقم 193 لسنة 2011 بتعديل قرار رئيس الجمهورية رقم 126 لسنة 2010 الخاص بالأحكام المترتبة على إعلان حالة الطوارئ خلال مدة سريانها على حالات مواجهة حدوث اضطرابات فى المراحل وجميع أخطار الإرهاب، والإخلال بالأمن القومى والنظام العام للبلاد أو تمويل ذلك كله، كما ينطبق على حيازة الأسلحة والذخائر، والاتجار فيها، وجلب وتصدير المواد المخدرة، والاتجار فيها، وكذا على حالات مواجهة أعمال البلطجة، والاعتداء على حرية العمل، وتخريب المنشآت، وتعطيل المواصلات، وقطع الطرق، وبث أو إذاعة أخبار أو بيانات أو شائعات كاذبة عمدًا. - الإعلان عن إعادة النظر فى تراخيص 16 قناة فضائية وإجراء تحقيقات حول حصولها على التراخيص، وإغلاق مكتب الجزيرة مباشر (مصر) ظهر يوم 11/9/2011 إثر مداهمة من جانب قوات الأمن مصحوبين بمجموعات من لجنة المصنفات الفنية بمبرر عدم حصوله الترخيص ومصادرة أوراق ومستندات والقبض على أحد أعضاء المكتب. الخلاصة والتوصيات 1- يعبر المجلس عن قلقه الشديد من قيام بعض الأطراف بتحويل مسار الاحتجاجات من الاتجاه السلمى إلى استخدام العنف، ويدين كل أعمال العنف التى تتعرض لها مرافق الدولة. 2 - والمجلس إذ يعبر عن قلقه من ارتفاع أعداد المصابين وسقوط قتلى برصاص حى أثناء المواجهات، فإنه يطالب بإجراء تحقيق من جانب النيابة العامة وإعلانه للرأى العام. 3 - ورغم تقدير المجلس للحاجة لضبط الانفلات الأمنى فإن إعادة تفعيل جميع مواد قانون الطوارئ رسميًا بل وتوسيع نطاقها يعيد عقارب الساعة إلى الوراء ويختزل معالجة أزمة سياسة واجتماعية شاملة فى مجرد الحل الأمنى، كما أنه يشكل رجوعًا عن أهداف الثورة الذى يمثل إنهاء حالة الطوارئ أحد أهدافها الرئيسية، ولا يزال المجلس عند تقديره بإمكان مواجهة الأحداث المشابهة من خلال مواد قانون العقوبات. 4 - كما يرى المجلس أن إحالة المدنين إلى محاكم أمن الدولة العليا طوارئ بدلاً من المحاكمات العسكرية يظل مشوبًا بافتقاد شروط العدالة وعدم توافر ضمانات المحاكة العادلة. 5 - يؤكد المجلس مجددًا على الحاجة الماسة للتعجيل بعودة الشرطة للقيام بواجباتها المهنية ودورها فى الحفاظ على الأمن والنظام العام فى إطار احترام حقوق الإنسان، فى بيئة اجتماعية قابلة لوجود شرطى منضبط ومشجع له، وفى هذا السياق يطالب المجلس بتقديم الدعم المادى والمعنوى لجهاز الشرطة للقيام بدوره المهنى، وكذا على أهمية تعزيز العلاقة مع المجتمع من خلال توفير الأمن للمواطنين أثناء جهوده لإنفاذ القانون. 6 - والمجلس إذ يؤكد على موقفه الثابت الداعم لحرية الرأى والتعبير، فإنه يعرب عن قلقه الشديد من بدء إجراءات تقيد الحريات الإعلامية التى اتخذتها السلطات المعنية فى أعقاب أحداث يوم الجمعة، ويدعو الحكومة إلى إصدار قوانين منظمة للعمل الإعلامى بعد التشاور مع الجهات الإعلامية المهنية شريطة أن تكون هذه القوانين شفافة ومهنية وتراعى المعايير الدولية. 7 - كذلك لاحظ المجلس – بقلق – تعجل بعض التصريحات الرسمية فى توجيه اتهامات خطيرة بمسعى جهات داخلية وخارجية لإسقاط الدولة المصرية دون انتظار نتائج التحقيقات أو تقديم الأدلة على صحة هذه الاتهامات، ويضاعف من قلق المجلس صدور هذه التصريحات فى سياق حملة إعلامية تستهدف تشوية المسار السلمى للثورة المصرية والانتقاص من وطنية الثوار. **********************