استقبلت موسكو في التاسع من سبتمبر الجاري وفدًا للمعارضة السورية برئاسة عمار القربي - رئيس الهيئة الوطنية السورية لحقوق الإنسان - والذي وصل إلى العاصمة الروسية قادما من القاهرة. التقى الوفد ميخائيل مارجيلوف - ممثل الرئيس الروسي للشئون الإفريقية، رئيس لجنة الشئون الدولية بمجلس الشيوخ الروسي ( المجلس الأعلى للبرلمان في روسيا ) - والذي كرر نفس العبارات والتصريحات التي أعلنها منذ أكثر من شهرين عندما التقى أول وفد للمعارضة السورية يزور موسكو برئاسة رضوان زيادة. فقد أكد المسئول الروسي أن الشعب السوري هو الصديق الوحيد لروسيا في سوريا، ولكن خلف الأبواب المغلقة أفهم مارجيلوف وفد المعارضة السورية أن موسكو لا توافق على إسقاط النظام السوري وترفض التدخل الخارجي في سوريا وتدعو إلى الحوار بين المعارضة والنظام في سوريا. واقترح مارجيلوف إرسال وفد برلماني روسي إلى سوريا للتعرف على حقيقة ما يجري هناك، وهو ما رحب به وفد المعارضة السورية. وقال عمار القربي بعد اللقاء بالمسئول الروسي: " شرحنا وجهة نظرنا للجانب الروسي وأطلعناه على حقيقة ما يحدث من قتل للمتظاهرين السلميين، ونأمل ألا تكرر روسيا نفس الخطأ بعدم الاعتراف بشرعية الثورة في سوريا كما حدث في ليبيا ". وكعادة موسكو أثناء الزيارة الأولى للمعارضة السورية، أكدت الخارجية الروسية أن الزيارة الثانية للمعارضة السورية إلى العاصمة الروسية ليست رسمية. كان الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف قد استبق زيارة وفد المعارضة السورية وأعلن في تصريحات لتليفزيون " اليورونيوز " في الثامن من الشهر الجاري ضرورة إعطاء إشارة قوية إلى جميع الأطراف في سوريا بأهمية الجلوس إلى طاولة الحوار من أجل الاتفاق ووقف إراقة الدماء. ورفض الرئيس الروسي فرض عقوبات على النظام السوري سواء أحادية الجانب أو عبر مجلس الأمن الدولي .. وقال: " نحن غير مرتاحين تماما لكيفية تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1973 في ليبيا لأنه تم تجاوز التفويض الممنوح بموجب هذا القرار، ولذلك نحن لا نريد أن يحصل الشيء نفسه بالنسبة إلى سوريا". وأقر ميدفيديف في تصريحاته بوجود مشاكل في سوريا وبأن الاستخدام المفرط للقوة وسقوط عدد كبير من الضحايا لا يروق لموسكو، غير أن الرئيس الروسي لم يتوقف عند هذا الحد ولكنه ذهب أبعد من ذلك متهما بعض عناصر المعارضة السورية بالتطرف والإرهاب قائلا : " إن الذين يرفعون شعارات ضد الحكومة السورية ليسوا فقط من أنصار الديمقراطيات الأوروبية رفيعة المستوى بل يوجد بينهم أناس مختلفون، فبينهم متطرفون، وبعضهم يمكن وصفهم بأنهم إرهابيون". وطالب ميدفيديف الدول الغربية بعدم التركيز فقط على إدانة الحكومة السورية والرئيس بشار الأسد، مشيرا إلى ضرورة تحميل المعارضة السورية والمتظاهرين المسئولية عن العنف في سورية، ويعد هذا الموقف من الرئيس الروسي، في رأي مراقبين، تراجعا عن تصريحات أطلقها منذ أسبوعين وحذر فيها الرئيس بشار الأسد من مصير محزن في حال عدم الإسراع بالإصلاحات والحوار مع المعارضة. وُيرجع مراقبون روس هذا الموقف الروسي المتذبذب من الثورة السورية خاصة والربيع العربي عامة إلى مصالح روسيا الاقتصادية والجيوسياسية والتي ترى موسكو أن ضمانها مرتبط بوجود الأنظمة الاستبدادية وغير الديمقراطية في العالم العربي، بيد أن مراقبين آخرين يعتقدون أن روسيا ربما تستخدم الأزمة السورية لتحصيل مكاسب من الغرب والولايات المتحدة في مسائل تتعلق بمصالحها مع الدول الغربية كالدرع الصاروخية وقبول عضويتها في منظمة التجارة العالمية وبعد ذلك تبدأ في التناغم مع الموقف الدولي لفرض عقوبات على سوريا كما حدث للموقف الروسي مع الأزمة الليبية. وتجدر الإشارة إلى أن وزير خارجية فرنسا ألن جوبيه فشل أثناء زيارته موسكو في الثامن من سبتمبر الجاري في إقناع القيادة الروسية بفرض عقوبات أممية على نظام بشار الأسد، وسوف يصل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى العاصمة الروسية الأسبوع المقبل وسيكون الملف السوري على رأس ملفات المباحثات أثناء هذه الزيارة. وعلمت "المشهد " أن كاميرون سيحث أيضا الكرملين على ضرورة استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يدين عنف النظام السوري ضد المتظاهرين، كما أن موسكو سوف تستقبل يوم الاثنين القادم بثينة شعبان - مستشارة الرئيس السوري - للتشاور حول كيفية الخروج من الأزمة في سوريا. ويقول البعض إن بثينة شعبان تأتي إلى موسكو للتعبير عن الامتنان للقيادة الروسية على موقفها الرافض لفرض عقوبات دولية على بشار الأسد، كما تفيد مصادر مطلعة بأن مستشارة الرئيس السوري تحمل رسالة من الأسد إلى الرئيس الروسي تتعلق بمقترحات طرحتها موسكو على القيادة السورية أثناء زيارة نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوجدانوف ( سفير روسيا السابق في القاهرة ) دمشق منذ أسبوعين، وتتعلق هذه المقترحات الروسية بضرورة وقف ما تسميه موسكو الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين والتعجيل بعملية الإصلاح. ويمكن القول إن موسكو لا تزال تتبنى الرواية السورية الرسمية بشأن وجود إرهابيين وجماعات مسلحة وسط المتظاهرين السوريين، وتعتبر أن شعار إسقاط نظام بشار الأسد الذي يرفعه المتظاهرون غير مقبول، وتدعو إلى الحوار بين النظام والمعارضة في وقت تجاوز الشارع السوري مثل هذه الدعوة وشرع في حرق الأعلام الروسية في عدة مدن سورية في سابقة لم تحدث من قبل. ويمكن القول أيضا إن زيارتين للمعارضة السورية إلى العاصمة الروسية لم تتمكنا من زعزعة تأييد موسكو لنظام بشار الأسد، بيد أن تغيير الموقف الروسي من الثورة السورية غير مستبعد، ولكنه إذا حدث سيتم متأخرا كالعادة.