يأتى احتفال مصر هذا العام بذكرى وفاة الأديب العالمي نجيب محفوظ الخامسة، تزامناً مع أعياد الفطر المبارك، العيد الأول للمصريين بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق مبارك. وُلد نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا في القاهرة، والده كان موظفاً لم يقرأ كتاباً في حياته بعد القرآن، التحق بجامعة القاهرة في 1930 وحصل على ليسانس الفلسفة، ثم بدأ بعدها في إعداد رسالة الماجستير عن الجمال في الفلسفة الإسلامية، ثم غير رأيه وقرر التركيز على الأدب. انضم إلى السلك الحكومي ليعمل سكرتيراً برلمانياً بوزارة الأوقاففى الفترة بين عامى ((1945 - 1938، ثم مديراً لمؤسسة القرض الحسن في الوزارة حتى1954 ، وعمل بعدها مديراً لمكتب وزير الإرشاد، ثم انتقل إلى وزارة الثقافة مديراً للرقابة على المصنفات الفنية. وفي 1960عمل مديراً عاماً لمؤسسة دعم السينما، ثم مستشاراً للمؤسسة العامة للسينما والإذاعة والتلفزيون. آخر منصبٍ حكومي شغله كان رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما ((1971 - 1966، وتقاعد بعده ليصبح أحد كتاب مؤسسة الأهرام. تزوج نجيب محفوظ فترة توقفه عن الكتابة بعد ثورة 1952من السيدة عطية الله إبراهيم، وأخفى خبر زواجه عمن حوله لعشر سنوات متعللاً عن عدم زواجه بانشغاله برعاية أمه وأخته الأرملة وأطفالها. في تلك الفترة كان دخله قد ازداد من عمله في كتابة سيناريوهات الأفلام وأصبح لديه من المال ما يكفي لتأسيس عائلة. ولم يُعرف عن زواجه إلا بعد عشر سنواتٍ من حدوثه عندما تشاجرت إحدى ابنتيه أم كلثوم وفاطمة مع زميلة لها في المدرسة، فعرف الشاعر صلاح جاهين بالأمر من والد الطالبة، وانتشر الخبر بين المعارف. نجيب محفوظ لم يلق اهتماماً حتى قرب نهاية الخمسينيات، فظل مُتجاهلاً من قبل النُقاد لما يُقارب خمسة عشر عاماً قبل أن يبدأ الاهتمام النقدي بأعماله في الظهور والتزايد، رغم ذلك، كتب سيد قطب عنه في مجلة الرسالة في 1944، وكان أول ناقد يتحدث عن رواية القاهرةالجديدة، واختلف مع صلاح ذهني بسبب رواية كفاح طيبة. في أكتوبر1995 طُعن نجيب محفوظ في عنقه على يد شابٍ قد قرر اغتياله لاتهامه بالكفر والخروج عن الملة بسبب روايته المثيرة للجدل "أولاد حارتنا"، التي بدأ نشرها في 21 سبتمبر1950 مسلسلةً في جريدة الأهرام، ثم توقف النشر في 25 ديسمبر من العام نفسه بسبب اعتراضات هيئات دينية على تطاول محفوظ على الذات الإلهية، وذلك من وجهة نظر تلك الجهات. وبالتالي لم تُنشر الرواية كاملة في مصر في تلك الفترة، واقتضى الأمر ثمان سنين أخرى حتى تظهر كاملة في طبعة دار الآداب اللبنانية التي طبعتها في بيروت عام1967، إلا أن أولاد حارتنا أعيد نشرها بمصر عام 2006 عن طريق دار الشروق. تُوفي نجيب محفوظ في 30 أغسطس2006 إثر قرحة نازفة بعد عشرين يوماً من دخوله مستشفى الشرطة في حي العجوزة في محافظة الجيزة لإصابته بمشاكل في الرئةوالكليتين وكان قبلها قد دخل المستشفى في يوليو من العام ذاته لإصابته بجرح غائر في الرأس إثر سقوطه في الشارع. بدأ نجيب محفوظ الكتابة في منتصف الثلاثينيات، نشر روايته الأولى "عبث الأقدار" التي تقدم مفهومه عن الواقعية التاريخية. ثم نشر "كفاح طيبة ورادوبيس" منهياً ثلاثية تاريخية في زمن الفراعنة. بدءاً من 1945بدأ نجيب محفوظ خطه الروائي الواقعي الذي حافظ عليه في معظم مسيرته الأدبية برواية "القاهرةالجديدة"، ثم "خان الخليلي" و"زقاق المدق، جرب محفوظ الواقعية النفسية في رواية "السراب"، ثم عاد إلى الواقعية الاجتماعية مع "بداية ونهاية"و"ثلاثية القاهرة". بعد ذلك اتجه محفوظ إلى الرمزية في رواياته "الشحاذ"، و"أولاد حارتنا "التي سببت ردود فعلٍ قوية وكانت سبباً في التحريض على محاولة اغتياله. كما اتجه في مرحلة متقدمة من مشواره الأدبي إلى مفاهيم جديدة كالكتابة على حدود الفنتازيا كما في روايته "الحرافيش"، "ليالي ألف ليلة"، وكتابة البوح الصوفي والأحلام كما في عمليه "أصداء السيرة الذاتية"، "أحلام فترة النقاهة". وتعتبر مؤلّفات محفوظ مرآة للحياة الاجتماعية والسياسية في مصر، كما يمكن اعتبارها تدويناً معاصراً لهم الوجود الإنساني ووضعية الإنسان في عالم يبدو وكأنه هجر الله أو هجره الله، كما أنها تعكس رؤية المثقّفين على اختلاف ميولهم إلى السلطة. محفوظ ونوبل بدأ محفوظ في نشر روايته الجديدة أولاد حارتنا في جريدة الأهرام في 1959. وفيها استسلم نجيب لغواية استعمال الحكايات الكبرى من تاريخ الإنسانية في قراءة اللحظة السياسية والاجتماعية لمصر ما بعد الثورة ليطرح سؤال على رجال الثورة عن الطريق الذي يرغبون في السير فيه (طريق الفتوات أم طريق الحرافيش)، وأثارت الرواية ردود أفعالٍ قوية تسببت في وقف نشرها والتوجيه بعدم نشرها كاملة في مصر، رغم صدورها في 1967عن دار الآداب اللبنانية. جاءت ردود الفعل القوية من التفسيرات المباشرة للرموز الدينية في الرواية، وشخصياتها أمثال: الجبلاوي، أدهم، إدريس، جبل، رفاعة، قاسم، وعرفة. وشكل موت الجبلاوي فيها صدمة عقائدية لكثير من الأطراف الدينية. أولاد حارتنا واحدة من أربع رواياتٍ تسببت في فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للأدب، كما أنها كانت السبب المباشر في التحريض على محاولة اغتياله. وبعدها لم يتخل تماماً عن واقعيته الرمزية، فنشر ملحمة الحرافيش في 1977، بعد عشر سنواتٍ من نشر أولاد حارتنا كاملة.