على حسابه في "فيسبوك" كتب رئيس الوزراء التركي "رجب طيب إردوغان" معلقًا على كلمة الرئيس "محمد مرسي" في افتتاح قمة عدم الانحياز بالعاصمة الإيرانيةطهران: "الرئيس محمد مرسي هو أول رئيس، مسلم عربي مصري، يصدم النظام الإيراني في عقر داره منذ انتهاء دولة الخلافة العثمانية، بهذا الشكل المذهل. إن مصر ماردٌ لن يقفَ أمامه أحدٌ بعد الآن". تعليق ربما يعتبره البعضُ"عاطفيا" من"الحليف" إردوغان، فما الذي تقوله الحقائق المجردة، ودلالاتها؟ مرسي من حيث المبدأ ذهب إلى إيران، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ العام 1979، وخاطب إيران في كلمته أكثر من مرة ب"الشقيقة"، وأكد حق دول العالم في امتلاك الطاقة النووية السلمية، وهو تأييد يصب حتما في مصلحة المشروع النووي الإيراني، إذا ما كان ملتزمًا بسلمية الهدف. وهو موقف ينفي من حيث المبدأ ما رآه البعض من أن الزيارة والكلمة تصب في "مصلحة أمريكا" إذ المؤكد أن "كسر الجليد" ما بين القاهرةوطهران ليس في مصلحة أمريكا، وأن مساندة حق امتلاك الطاقة النووية السلمية موقف ضد مصلحة أمريكا جذريا. من ناحية أخرى فإن موقف مرسي المساند للثورة السورية، وضد نظام بشار القمعي هو موقف كما تقول صحيفة"نيويورك تايمز" الأمريكية: "دخل بقوة صراعًا مع خط إيران الرسمي، حيث أعلن أرفع قائد عسكري إيراني مؤخرًا أن نظام الأسد انتصر على "الإرهابيين" المدعومين من الولاياتالمتحدة وتل أبيب". وهو موقف جعل التصريحات الإيرانية تصبح "فاترة" بشأن إمكانية عودة العلاقات الدبلوماسية مع مصر، فضلا عن أنه دفع الإعلام الإيراني الرسمي إلى تجنب التعليق فورا على كلمة مرسي. وخلاصة النقطتين السابقتين أن مرسي تحرك مع إيران في حدود"النزاع" لا "الصراع". والأكثر أهمية أنه نزاع ينطلق من المصلحة المصرية والعربية، لا من التبعية لواشنطن. حيث بدا الاختلاف مع المصلحة الأمريكية واضحا، ومن السذاجة القول بأن أي اختلاف مع إيران يعني التبعية لأمريكا، وإلا لكانت أية دولة مختلفة مع الكيان الصهيوني تابعة للعرب، وليس الأمر كذلك. وبجمع هذا الموقف إلى موقف الرئيس محمد مرسي في مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي، إذ دعا إلى مبادرة تضم مصر وتركيا والسعودية وإيران، لإيقاف نزيف الدم في سوريا على قاعدة رحيل نظام الأسد، نجد أن طهران أصبحت في مأزق حقيقي، فهي الطرف الوحيد في العالم الإسلامي الذي يساند نظام الأسد، واستمرارها في دعمه يعني أنها هي من يصر على استمرار النزاع، بل على تصعيده ليصبحَ صراعًا، فضلا عن أنه يجعلها "فاعلا أصليا" في جرائم النظام السوري. افتتح الرئيس محمد مرسي كلمته بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وآله وأصحابه أجمعين، وأضاف: وارض اللهم عن سادتنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. تلك الصيغة التي أفقدت الطائفيين اتزانهم، وكشفت حقيقة "مذهب السب" واضحا، عبر غضب من غضبوا لمجرد ترضى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، مؤكدين بهذا أن "سبهم" ركن من مذهبهم. محصلة زيارة محمد مرسي وكلمته تركت أطيب الصدى عربيا، خاصة في الخليج، الذي وجد في الموقف المصري المتحرر من واشنطن والند لطهران سندا حقيقيا في مواجهة قوة عالمية عظمى، وأخرى إقليمية كبرى. وعربيا أيضا، أصبح الملف السوري الآن في يد الرئاسة المصرية، والكل ينتظر ما الذي ستفعله "الشقيقة" التي عادت إلى مكانتها "الكبرى" خاصة بعد المماطلات التي قادتها أطراف مصرية من قبل، ترتبط بعلاقات صهر وشراكة مع "رامى مخلوف" ابن خال "بشار الأسد" وواجهته الاقتصادية وهى المماطلات التي تعد بين المسئولين عن استمرار نزيف دم الشعب السوري. على الصعيد الداخلي، مثلت كلمة مرسي تحذيرا للطائفيين، الذين يتحركون بمنطق "الأقلية"، وهو تحذير مؤداه أن التمسك بهذا المنطق سيزيدهم عزلة، بقدر ما سيمنحه المزيد من دعم "الأغلبية"، وأعني ب"الأغلبية" هؤلاء الذين لا يتحركون من منطلق طائفي. لم يعجبني من الرئيس محمد مرسي أن ذكر "الكيان الصهيوني" باسم دولته المزعومة، صحيح أنه ذكره في سياق "الإدانة النووية" لكن كان الأولى به أن يقول "الكيان" بل"العدو الصهيوني"، أو في الحد الأدنى "سلطات تل أبيب" أما ذكر اسم الدولة المزعومة فخطأ يجدر بالرئيس أن يصححه. ملحوظة ختامية: براعة كبيرة أن تسجل موقفا أو مواقف في "طهران" من دون أن تكون ذاهبا لزيارة "إيران" بل لافتتاح قمة عدم الانحياز، بوصفك رئيس "مصر" الدولة المؤسسة لهذه الحركة العالمية، التي كان يمكن أن نتفاءل بأنها ستعود إلى مكانتها لولا الموقف المخجل لرئيس وزراء الهند بإدانته الثورات العربية، واتهامها بالعمالة، وهو الموقف الرسمي الإيراني نفسه، الذي يخشى مع الهند والصين أيضا عدوى الربيع العربي!