مع تزايد عمليات القتل التي استهدفت عدداً من المصريين في الخارج، خلال الفترة الأخيرة، تستعرض "المشهد" عدداً من جرائم القتل الغامضة، التي راح ضحيتها عدد من علماء مصر البارزين. ومازالت تلك الجرائم تشكل لغزاً، رغم مرور أكثر من نصف قرن على بعضها، نتناول في هذا التقرير سيرة 5 من أبرز هؤلاء العلماء، والظروف التي أحاطت بمقتلهم أو اختفائهم. الدكتورة سميرة موسى: ولدت سميرة موسى عليان في 3 مارس 1917، في قرية "سنبو الكبرى"، بمركز "زفتى" بمحافظة الغربية. وهي أول عالمة ذرة مصرية، ولقبت باسم "مس كوري الشرق"، وهي أول معيدة في كلية العلوم بجامعة فؤاد الأول، جامعة القاهرة حالياً. لقيت الدكتورة سميرة موسى مصرعها في 15 أغسطس 1952، أثناء وجودها في الولاياتالمتحدة، وقالت السلطات الأمريكية إنها قُتلت في تصادم مع شاحنة. أحاطت الشبهات بظروف مقتلها، حيث أنها أتيحت لها فرصة إجراء بحوث في معامل جامعة "سانت لويس" بولاية ميسوري الأمريكية، وتلقت عروضاً لكي تبقي في أمريكا لكنها رفضت. وقبل عودتها بأيام استجابت لدعوة لزيارة معامل نووية في ضواحي كاليفورنيا، وفي الطريق ظهرت سيارة نقل فجأة، لتصطدم بسيارتها بقوة، وتلقي بها في وادي عميق. قفز سائق السيارة، وهو باحث "هندي" في نفس الجامعة، وكان يستعد للدكتوراة، واختفى إلى الأبد، وأوضحت التحريات أنه كان يحمل اسماً مستعاراً. في إحدى رسائلها إلى والدها، بينما بينما كانت تستعد للعودة إلى مصر، كتبت سميرة موسى: "لو كان في مصر معمل مثل المعامل الموجودة هنا، كنت أستطيع أن أصنع أشياءً كثيرة." وكتبت في رسالتها الأخيرة: "لقد استطعت أن أزور المعامل الذرية في أمريكا، وعندما أعود إلي مصر سأقدم لبلادي خدمات جليلة"، حيث كانت تعتزم إنشاء معمل خاص بها في مدينة الجيزة. الدكتور نبيل القليني: ولد نبيل محمد القليني في مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية في ديسمبر عام 1939، وكان والده رئيس قلم الميزانية بالقضاء العالي. بعد تخرجه من كلية العلوم بجامعة القاهرة، أوفدته الجامعة إلى تشيكوسلوفاكيا، للقيام بالمزيد من الأبحاث والدراسات في "علوم الذرة"، وكشفت أبحاثه عن "عبقرية علمية" تحدثت عنها الصحف التشيكية، ثم حصل على الدكتوراه في الذرة من جامعة "براغ." في صباح الاثنين 27 يناير 1975، رن جرس الهاتف في الشقة التي كان يقيم فيها الدكتور القليني، وبعد المكالمة خرج ولم يعد حتى الآن، ولما انقطعت اتصالاته مع جامعة القاهرة، أرسلت إلى الجامعة التشيكية تستفسر عن مصيره، وبعد إلحاح، ذكرت السلطات التشيكية أن الدكتور القليني خرج من بيته بعد مكالمة هاتفية، ولم يعد مرة أخرى. الدكتور يحيى المشد: ولد يحيى المشد في مصر مدينه بنها 1932، وتعلم في مدارس مدينة طنطا، تخرج من قسم الكهرباء في كلية الهندسة جامعة الإسكندرية سنة 1952، ومع انبعاث المد العربي سنة 1952، تم اختياره لبعثة الدكتوراه إلى لندن سنة 1956. ولكن "العدوان الثلاثي" على مصر كان سبباً في تغيير بعثته إلى موسكو، تزوج وسافر وقضى هناك 6 سنوات، عاد بعدها سنة 1963 "الدكتور يحيى المشد"، متخصصاً في هندسة المفاعلات النووية. بعد حرب يونيو 1967 تم تجميد "البرنامج النووي المصري"، وبعد توقيع الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، اتفاق للتعاون النووي مع فرنسا، عام 1975، انتقل "المشد" إلى بغداد، وهناك برفض بعض شحنات اليورانيوم الفرنسية، اعتبرها "مخالفة للمواصفات"، وأصرت بعدها فرنسا على حضوره شخصياً إلى فرنسا لتنسيق استلام اليورانيوم. في يوم الجمعة 13 يونيو 1980، وفى حجرته رقم 941 بفندق "لو ميريديان" بباريس، عُثر على الدكتور يحيى المشد جثة هامدة مهشمة الرأس، ودماؤه تغطي سجادة الحجرة، وقد أغلق التحقيق الذي قامت به الشرطة الفرنسية على أن "الفاعل مجهول." الدكتور سعيد السيد بدير: ولد في يناير عام 1949، وفي الثانوية العامة كان الثاني على مستوى الجمهورية، تخرج من الكلية الفنية العسكرية وعين ضابطاً في القوات المسلحة المصرية، وفي عام 1972 أصبح معيداً في الكلية الفنية، ثم مدرساً عام 1981، حتى وصل إلى رتبة "عقيد مهندس" بالقوات الجوية. أحيل إلى التقاعد، بناءً على طلبه، بعد أن حصل على درجة الدكتوراه من إنجلترا، ثم عمل في أبحاث الأقمار الصناعية كأستاذ زائر في جامعة "ليبزيخ" بألمانياالغربية. استطاع وهو في سن صغيرة من خلال أبحاثه، التوصل إلى نتائج متقدمة، جعلته يحتل المرتبة الثالثة من بين 13 عالماً فقط على مستوى العالم، في حقل تخصصه النادر في الهندسة التكنولوجية الخاصة بالصواريخ. في أكتوبر 1988، اتفق معه باحثان أمريكيان لإجراء أبحاث معهما، مقابل الحصول على الجنسية الأمريكية وعائد مادي كبير، عقب انتهاء تعاقده مع الجامعة الألمانية، وهنا اغتاظ باحثو الجامعة الألمانية وبدأوا بالتحرش به ومضايقته ،حتى يلغي فكرة التعاقد مع الأمريكيين. وذكرت زوجته أنها وزوجها وابناهما كانوا يكتشفون أثناء وجودهم في ألمانيا، عبثاً في أثاث مسكنهم، وسرقة كتب زوجها، وشعر "بدير" بأن حياته وحياة أسرته باتت في خطر، فكتب رسالة إلى الحكومة المصرية يطلب فيها حمايته، وتلقى اتصالاً من القاهرة طلب منه العودة إلى الوطن فوراً. ونتيجة لشعورهم بالقلق قررت الأسرة العودة إلى مصر، على أن يعود الزوج إلى ألمانيا لاستكمال فترة تعاقده، ثم عاد إلى القاهرة في 8 يونيو عام 1988، وقرر السفر إلى أحد أشقائه في الإسكندرية لاستكمال أبحاثه. في 13 يوليو 1989، تلقى قسم شرطة "شرق" بالإسكندرية، بلاغاً عن سقوط شخص من أعلى عمارة في شارع "طيبة"، بمنطقة "كامب شيزار"، في ما يبدو أنه "انتحار." المحققون وجدوا الغاز مفتوحاً في شقته، وكأنه أراد الانتحار بالغاز، وعندما فشل ألقى بنفسه من العمارة، كما وجدوا وريد يده مقطوعاً أيضاً، كأنه أراد التخلص من حياته بكل "طرق الانتحار." لم يتم الإعلان عن الشخص أو الجهة التي تقف وراء قتله، وإن كانت مؤشرات قوية تفيد بقيام جهاز "الموساد" الإسرائيلي باغتياله، بعد عودته إلى وطنه. جمال حمدان: ولد جمال محمود صالح حمدان في قرية "ناي" بمحافظة القليوبية، في 4 فبراير 1938، وأصبح واحداً من أعلام الجغرافيا في مصر والعالم العربي. يعد "حمدان" واحداً من ثلة محدودة للغاية من المثقفين المسلمين، الذين نجحوا في حل المعادلة الصعبة المتمثلة في توظيف أبحاثهم ودراساتهم من أجل خدمة قضايا الأمة، وخاض من خلال رؤية استراتيجية واضحة المعالم معركة شرسة لتفنيد الأسس الواهية التي قام عليها "المشروع الصهيوني" في فلسطين. كان جمال حمدان صاحب السبق في فضح أكذوبة أن اليهود الحاليين هم أحفاد بني إسرائيل الذين خرجوا من فلسطين خلال حقب ما قبل الميلاد، وأثبت في كتابه "اليهود أنثروبولوجيا"، الصادر عام 1967، بالأدلة العملية أن اليهود المعاصرين، الذين يدعون أنهم ينتمون إلى فلسطين، ليسوا هم أحفاد اليهود الذين خرجوا من فلسطين قبل الميلاد، وإنما ينتمي هؤلاء إلى إمبراطورية "الخزر التترية"، التي قامت بين "بحر قزوين" و"البحر الأسود"، واعتنقت اليهودية في القرن الثامن الميلادي، وهو ما أكده بعد ذلك بعشر سنوات "آرثر كوستلر"، مؤلف كتاب القبيلة الثالثة عشرة الذي صدر عام 1976. وفي 17 أبريل 1993، عثر على جثة جمال حمدان والنصف الأسفل منها محروقاً، واعتقد الجميع أنه مات متأثراً بالحروق، ولكن مفتش الصحة بالجيزة أثبت في تقريره أنه لم يمت مختنقاً بالغاز، كما أن الحروق ليست سبباً في وفاته، لأنها لم تصل لدرجة أحداث الوفاة. ترك جمال حمدان 29 كتاباً و79 بحثاً ومقالة، أشهرها كتاب "شخصية مصر.. دراسة في عبقرية المكان"، والذي صدر في 4 أجزاء بين عامي 1975 و1984.