يكتب : قضية فساد كبرى أجرت مباحث الأموال العامة، الثلاثاء الماضي، تحقيقات مطولة مع نائب سابق في "مجلس الشعب" ووزير ري أسبق، بتهمة الاستيلاء على 27 ألف فدان من أراضي الدولة في الظهير الصحراوي لمنطقة "العياط" جنوبالجيزة، تحت ستار "الشركة المصرية الكويتية"، المملوكة لأحد أثرياء "آل الخرافي" الكويتيين، وأفرجت عنهما المباحث بكفالة 100 ألف جنيه، على ذمة قضية فساد كبرى لم تتضح خيوطها المعقدة بعد. النائب، بصفته العضو المنتدب للشركة، والوزير، بصفته وزيرا، سهلا للشركة خلال عام 2008 "وضع يدها" على هذه المساحة الشاسعة من الأراضي، 27 ألف فدان، تقابل الظهير الصحراوي ل13 قرية ممتدة من جنوبالجيزة حتى شمال بني سويف. حصل الرجلان للشركة على "تخصيص" من الجهات المعنية ب12 ألف فدان، بسعر 200 جنيه للفدان، كأرض مخصصة للاستصلاح الزراعي، ثم استولت الشركة على 15 ألفا أخرى بقوة السلاح، واستصلحت حوالي 380 فدانا فقط من كل هذه المساحة، ثم غيّرت النشاط فجأة من زراعي إلى عقاري دون إخطار جهات الدولة. وخلال سنة، باعت آلاف الأفدنة للمواطنين والمصريين المغتربين والكوايتة. صدّق أو لا تصدّق: الفدان أبو 200 جنيه، بيع بأسعار وصلت في بعض القطع المميزة إلى 30 ألف دينار كويتي للفدان، أي ما يعادل، بأسعار تلك الأيام، حوالي 660 ألف جنيه! ولأن "تورتة النهب العام" بالمليارات، لحساب "آل الخرافي"، مع أنهم مليارديرات وليسوا في حاجة إلى أموال هذا الشعب الغلبان، فقد تشاركت فيها عصبة من كُبارات وصغارات البلد أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك، ومنهم رئيس وزراء سابق ووزراء ونواب ومحافظ، وآخرون، إلى درجة أن وزير الري، سالف الذكر، كان يشغل في الشركة وظيفة من أغرب ما يكون هي وظيفة "مستشار مائي"! لماذا يعمل وزير الري "مستشارا مائيا"، ويقبض عشرات آلاف الجنيهات شهريا دون أن يستشيره أحد؟ ببساطة، لكي تطلب الشركة من الوزارة، رسميا، تخصيص "مقنن مائي" لها من الترع والمجاري المائية المجاورة، حتى تتمكن من استصلاح وزراعة ال12 ألف فدان المخصصة لها رسميا، فترد الوزارة - رسميا- ب"تعذر وجود مقنن مائي للأرض نظرا لأن التصاريف تكفي الأراضي القديمة بالكاد"، وتكون النتيجة تبع لذلك هي إرغام الدولة بنفسها على تغيير النشاط من زراعي إلى عقاري، ويخرج الجميع بالمليارات سالمين غانمين لهم ولأثرياء الكويت الشقيقة! ولأنني كنت أعرف هذه الخديعة الكبرى، وقتها، قدت حملة صحفية شرسة ضد "الشركة الكويتية" التي تحدث عنها، فيما بعد، الرئيس الأسبق محمد مرسي في خطبة عامة، وقال إنها مدينة للدولة ب50 مليار جنيه، ولكن المبلغ أكبر من ذلك بكثير، ولم تستطع الدولة حتى هذه اللحظة الحصول على جنيه واحد منه. بدأتَ تلك الحملة بعد أن بغت الشركة وأفسدت في أرض العياط، وجاءت ب"مسلحين" تابعين لها من قرى "بني محمد" في أسيوط، جميعهم عليه أحكام بالسجن تتراوح بين 10 سنوات والمؤبد، وأعطتهم أسلحة آلية لطرد المستزرعين الصغار، وإرهاب وقتل كل من تسوّل له نفسه الاقتراب من الأرض. وبالفعل، راح 3 من أهالي المنطقة ضحية لرصاص هؤلاء المسلحين على فترات، تم قتلهم ببساطة، و"دفع ديتهم" بواقع 120 ألف جنيه للقتيل الواحد بوساطة عرفية من سماسرة الدم في العياط. وشارك في الحملة، نهايات عام 2010، زملاء أفاضل من جرائد ومواقع "الأهرام والمصري اليوم والبديل والوفد وصوت الأمة والدستور والبلاغ والنهار و24 ساعة وصوت الملايين والموجز والديار"، وصحف ومواقع أخرى نسيتها، كنت أرسل لهم الموضوعات جاهزة للنشر، ويضع الواحد منهم اسمه على الموضوع، أو لا يضع. وهي الحملة التي قال النائب إنها تكلفت 5 ملايين جنيه و"نفوذا" كبيرا لعدد من النافذين في البلد. والحقيقة أنها لم تتكلف مليما واحدا، وقام بها شخص عديم النفوذ هو العبد لله. ومن طريف ما حدث خلال ذلك، أنني ذهبت في بداية الحملة إلى كثيرين، منهم شاعر معروف كان كتب من قبل سلسلة مقالات عن مخالفات الشركة. أعطاني الرجل مشكورا موعدا في مكتبه اللطيف ب"الأهرام"، وسمع مني لمدة نصف ساعة صامتا، كعادة الشعراء، ثم أخذ مني المستندات، ووعدني بالنشر. ومرت أيام، نشر خلالها بعض الزملاء بشائر الحملة، وبعضهم كنت أتعامل معه بالتليفون والفاكس على أنني محام، ولكن السيد الشاعر، الذي وعدني وعد شاعر، لم ينشر شيئا. فاتصلت به مرة واحدة، ولم يرد. وبحكم أنه كلفني مشوارا بالأونطة، ولم يف بوعده، وكأي صعيدي، أرسلت له رسالة نصية كتبت له فيها 6 كلمات هي: "هذا هو المنتظر من شاعر المراهقات"! وندمت على ذلك، فقد تجاهل الرجل الطيب سلاطة لساني، وفوجئت بعد أيام بموضوع كبير منشور على الصفحة الثالثة ل"الأهرام" بالكامل، مشفوعا بالمستندات، وعناوين مثيرة، كان عليه اسم أحد محرري الجريدة، وهو ما أصاب المسئولين عن الشركة بالرعب. ومع استمرار النشر ضد الشركة يوميا، على مدار نحو 4 أشهر متصلة، حِيكت مؤامرات صغيرة لاستدراجي إلى مقر الشركة ل"التفاهم معي"، لم أستجب لها بالطبع، ناهيك عن تهديدات تليفونية عبيطة بالقتل، وبلاغات كيدية ضدي في بعض أقسام الشرطة، بتهم مختلقة لا يصدقها عاقل، انتهت كلها بالحفظ، فضلا عن توسيط عدد من معارفي وأعيان جنوبالجيزة لإنهاء الحملة، دون جدوى. ومثلما يحدث في الأفلام المصرية، قامت ثورة 25 يناير، وهرب النائب المذكور إلى الكويت، وظل هناك نحو 4 سنوات، ثم عاد في نهاية العام الماضي. أما الوزير فراح يكتب في الصحف ويظهر في الفضائيات ليتحدث في ملف "سد النهضة" الإثيوبي عن "حقوق مصر المائية"، بعد أن نسي هو نفسه حقوقها في أرضها. وظن الاثنان أنه لن تجد في الأمور أمور، وأن مصر عادت "شمسها الذهبُ" تورتة للفاسدين، كما كانت أيام "مبارك"، وأن الدول - مثل الأسماك- لا ذاكرة لها.. حتى مَثُلا للتحقيق أمام مباحث الأموال العامة مؤخرا. والبقية تأتي، خلال الأيام المقبلة! المشهد .. لاسقف للحرية المشهد .. لاسقف للحرية