توقفت حركة المرور فى وسط العاصمة ظهيرة يوم الخميس الماضى، لأكثر من ساعة ونصف وقف كل شيء فى الإتجاه المؤدى لميدان التحرير وكأنها صورة تجمدت لسبب او آخر فى فيلم. صفوف من السيارات المختلفة تراصت خلف بعضها البعض على إمتداد كبرى قصر النيل وشارع الكورنيش وكأنها بلا نهاية ولا أحد يعرف ماهو السبب ولا هناك مايدل على أى حركة من أى نوع. توقفت المحركات تماماً وبدأ الناس يخرجون من مركباتهم ويتمشون على الكوبرى، كان هناك من يدخن سيجارة، وهناك من يسب ويلعن وهناك من يتحدث فى التليفون وهناك من يخمن كل الأسباب. "يكونش الرئيس الصينى؟" " لا لا الريس وضيوفه فى الأقصر" "ماهو ده تمويه. هو يعلن إنه فى الأقصر وبعدين تلاقيه فى مجلس الشعب" " هى الزيارة دى مهمة؟" " آه طبعا! الصين دى أهم قوة إقتصادية فى العالم كله. تعاوننا معاها يطلعنا م الهم اللى احنا فيه ده" " طيب. لو كده يبقى نصبر مش مشكلة! ايه يعنى نستنى حبة ع الكوبرى. إحنا نبطل العربية وننزل نتمشى ونبص ع المية ده حتى الجو جميل والشمس طالعة والواحد كان محتاج شوية تغيير!" تمر نصف ساعة أخرى ويبدأ التململ فى السيارات حتى تنتهى كل الأحاديث ويتسرب الملل والقلق من استمرار العطلة بلا نهاية. "طيب كانوا قالوا للناس عشان ما تاخدش الاتجاه ده! كنا سبنا لهم الميدان كله براحتهم!" "إزاى يعنى؟ ده أمنياً غلط" " آه صح!" " مش كفاية التفجيرات اللى بقت فى كل حتة وأى حتة؟ مصر واسعة قوى يا ولد عمى وتأمينها عاوز كل مصرى يبقى عسكرى!" تمر نصف ساعة أخرى ويظهر شاب صغير ييع الورد البلدى ويتنقل بحرية تامة وتؤدة بين العربات الساكنة. " شفت الرزق بقى؟ أهه الواد ده حيبيع الورد كله براحته، ماهى الناس فاضية وزهقانة!" يبدأ بائع الورد فى الجدال مع عربة أمامنا ويطول حديث الشاب وهو يمد رأسه داخل السيارة ويشير بيديه ويتكلم ثم يخرج رأسه وهو يصيح عالياً :" وأنا اعرف منين أنا؟ هو أنا الوزير؟" ثم يمشى وهو يكمل حديثه مع نفسه. يمر بجانبنا فنسأله عن سبب التوقف فيجيب: " الأبلة دى بتسألنى العطلة ليه وعشان إيه وإزاى كده يعطلوا مصالح الناس. وأنا أعرف منين يا حاجّة بس؟ هو أنا كنت الوزير؟" "معلهش ما هو إنت جاى من أول الشارع وكاشف الكورنيش، فيمكن عندك معلومة واضحةَ" "لا والله يا أبله. انتو اللى معاكوا النت والتلفونات والحركات..قولوا لنا انتو فى ايه؟" تٌسكتنى كلمات الشاب سكوتاً نهائياً. هنا تكمن الأزمة الحالية فعلاً: اننا لانعرف شيء على وجة التحديد والثقة، وأن كل شيء حوله عدة آراء وأوجه ولا يوجد شيء نهائى أو من قوته يٌخرس كل الألسنة، لايختلف هنا بائع الورد خالى الوفاض من الدكتورة ذات التليفون الذكى والانترنت. المشهد .. درة الحرية المشهد .. درة الحرية